إنتشر مقطع فيديو لمجموعة من الأبقار وهم يسيرون فوق جسر قديم و صغير في احدى القرى ، فالبقرة التي تسير في المقدمة و يسير القطيع وراءها سقطت في حفرة على الجسر و كادت أن تقع في النهر ولكن بعد محاولات أهالي القرية نجحوا في إخراجها بصعوبة كبيرة من الحفرة ، وهذا المشهد حصل أمام انظار القطيع ، وبعدها أدركوا جميعا أن هناك حفرة خطيرة وصاروا يقفزون في مكان الحفرة تجنبا للوقوع فيها .
عندما شاهدتُ المقطع تذكرت فوراً الانظمة الاستبدادية التي تحكم المنطقة العربية و الحكام الذين استبدوا و طغوا و بغوا و حكموا لعشرات السنين و فعلوا ما يشتهي أنفسهم من الموبقات و الجرائم و أخذوا ما يريدون و سرقوا الملايين و سخروا الدولة و مواردها و سلطاتها و ثرواتها في سبيل إسعاد أنفسهم و عائلاتهم و حاشيتهم و أخذوا ما يمكنهم من العيش أغنياء إلى قيام الساعة من الذهب و الأموال و الأرصدة و الأراضي و العقارات و الشركات، ورغم كل ذلك عندما نشبت رياح التغيير في بعض الدول العربية و وقعت مظاهرات و الثورات التي نجحت في إسقاط بعض الرؤوس الطاغية و غيرت الحكام و الأنظمة في بعض الدول، رغم أن الطواغيت شاهدوا هذه المشاهد و ما حصل بأقرانهم ، رغم هذا الشيء إلا أنهم لم يأخذوا العبرة ولم يقرروا أن يتنازلوا عن السلطة ليتجنبوا المصير المشؤوم الذي حل بأصدقائهم و يجنبوا الدولة الفوضى الذي قد يحصل في حال نشوب الثورات ، و ليس ذلك فقط بل لم يقرروا إجراء إصلاحات فعلية و حقيقية تحميهم من خطورة الثورات و الاحتجاجات و تزيد من عمر انظمتهم اصلا، ليتجنبوا غضب الجماهير التي لايمكن أو يصعب التنبؤ بها لأنها تبدأ بحدث عفوي و تنتهي بعاصفة تقتلع الكراسي و تحرق الأرض من تحتهم و إذا به ملقى في السجن أو هارب إلى الخارج أو يرتجي العفو و المغفرة.
يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي ” إن قولك للظالم أن يكون عادلا كقولك للمجنون أن يكون عاقلا، فالمجنون يعتقد أنه العاقل الوحيد بين جميع الناس ” وهذا القول يرد على تساؤلاتنا حول إمكانية إصلاح الأنظمة الإستبدادية سواءا من الداخل أو من الخارج و تغيير ممارساتها مع الجماهير ، وكما يقول الله تعالى في كتابه الكريم (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) فالرسالة واضحة وهي عدم ضياع الجهد و الوقت في محاولة إصلاح الظالمين بل إتخاذ نهج ثوري لإبعاد الفاسدين من السلطة لأنه حتى لو قرر النظام الإستبدادي إجراء إصلاحات فإن الاصلاحات ليست من أجل الشعب و تحقيق الاصلاح الحقيقي ، بل هي مجرد محاولات لإمتصاص غضب الجماهير و بعدها يعود مياه الفساد لمجاريها و يستمر الظلم و الفساد .
تنفيذ برنامج واحد من البرامج الاصلاحية التي يعلن عنها الأنظمة الاستبدادية كافٍ لتحويل بلداننا إلى سنغافورة خلال سنة واحدة ، لأننا نملك الموارد و الثروات و الإمكانيات ولكن لانملك العقلية السليمة للحكم التي تفكر بالمستقبل بدل التفكير بالعائلة و ضمان بقاءها على الحكم ، لأن المورد الوحيد لسنغافورة هي العقل و الادارة السليمة وبذلك نجحوا في الوصول للمراتب العليا دون الحادة الى النفط او الغاز او الثروات الطبيعية التي نمتلكها ولا نستفيد منها بل يعتبرها الكثيرون من أسباب تعاسة الشعوب بدل أن تكون من أسباب الرفاهية .
من اصعب تحقيق الاصلاح في الانظمة الاستبدادية لأن الخطأ الرئيسي و منبع الفساد هو من رأس السلطة، ورأس السلطة خط أحمر لا يمكن إنتقاده أو التفكير في تغييره لأنه يمثل الدولة وأي معارضة لرأس السلطة يعتبر خيانة و بالتالي أي برنامج إصلاحي لا يشمل الرأس لايمكن أن يؤثر كثيرا بل سيكون له تأثير قصير و بعدها ينتهي كأن لم يكن أصلا، وكما يقول (لي كوان يو) باني النهضة في سنغافورة ” تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى نزولا إلى الأسفل وليس العكس !
الشعوب تحلم بالإستقرار و الأمن و الأمان و الرفاهية و قد تصبر على الظلم في سبيل عدم وقوع الفوضى و الجميع يطالب بالإصلاحات تجنبا للثورات الشعبية التي قد تجر البلاد الى فوضى ولكن التجارب تخبرنا أن الانظمة الاستبدادية لا تتعلم ولا تأخذ العبرة من غيرها بل تستمر على نهجها و قد تتشدد و تكون أكثر وحشية في التعامل مع الجماهير إذا شعر بأي تحركات شعبية بدل أن تتخذ إجراءات مرنة في التعامل مع الجماهير و هذا قد يكون سنة إلهية لإنهاء الأنظمة الإستبدادية بهذه الطريقة .