توشك حلقات المسلسل الرمضاني المميز الذي تبثه قناة الحوار وثلة من القنوات الأخرى مع الشيخ يوسف القرضاوي على الاكتمال، وهي حلقات سعدت بل شرفت بإجراء الحوار معه فيها. كانت ثلاثين حلقة سُجلت على مدى سبعة أيام، كنت وطاقم العمل في ضيافة الشيخ يوسف يومياً في منزله ومكتبه في الدوحة من صلاة الظهر إلى ما بعد صلاة العشاء.
رغم أنني تتلمذت على كتابات الشيخ منذ أن كنتُ فتى في الأول الثانوي، إلا أنني خلال هذه الأيام العشرة تعرفت على يوسف القرضاوي كما لم أعرفه من قبل، ليس فقط العالم الفقيه الموسوعي، بل وأيضاً الإنسان اللطيف صاحب الإحساس المرهف، والشاعر الذي تثير فيك أبيات قصائده الحماسة والحزن والفرح، وتبعث فيك الأمل رغم اشتداد المحن.
من المواقف التي بهرتني وفاجأتني أننا قبل أن نشرع في تسجيل الحلقة رقم 22، نبهني الشيخ إلى أننا وصلنا في سيرته إلى النقطة التي لابد عندها أن يتكلم عن قصته مع أسماء بن قادة، تلك الفتاة الجزائرية التي أعجب بها ثم أحبها فتزوجها، ثم شاءت الأقدار ألا تستمر رفيقة لدربه فتفرقا.
تفاجأت بما طلبه الشيخ، وقلت له: هل أنت متأكد أنك تود الحديث حول هذا الموضوع؟ وإنما سألته لعلمي بما يمكن أن يسببه مثل هذا الحديث من حرج بعد أن وقع الفراق بينهما. فقال، نعم، لا بد من أن نذكر لأهل الفضل فضلهم.
وفي الحلقة تكلم الشيخ عن أسماء بن قادة باحترام جم ومودة كبيرة، وذكر أجمل ما فيها من صفات، ولم يذم فيها خلقا أو سلوكا قط. وكان موقفه فعلا ترجمة عملية لقوله تعالى “ولا تنسوا الفضل بينكم”.
لم يخف الشيخ شيئا من مشاعره التي أبداها تجاهها منذ أن كانت إعجاباً إلى أن تحولت مودة وحباً بل وعشقاً، ولم ينطق بكلمة واحدة تسيء إليها أو تحط من قدرها، الأمر الذي أكبرته في هذه القامة العلمية والشخصية الإنسانية الرائعة.
ينبغي أن يتذكر الناس، من أحب الشيخ ومن يكن له غير ذلك من المشاعر، أن يوسف القرضاوي ليس ملكاً يمشي على الأرض، بل هو بشر مثل كل البشر، له قلب يحب ويعشق، وكما هي حال كل رجل منا، يمكن لمشاعر الحب والعشق أن تتطور، وأن تصبح رغبات ملحة وآمالاً يتعلق بها قلب العاشق، فإذا ما توفرت لديه ملكة التعبير نثراً أو شعراً فإنه يترجم عشقه إلى لوحات فنية تصبح تراثاً تتعلمه الأجيال وتتغنى به جيلاً بعد جيل، وهل يوجد في شعر العرب أثرى وأجمل وأعذب من قصائد العشق وعذابات العاشقين؟
نعم، لقد ألف الشيخ فيمن أحب شعراً وأرسل إليها معبراً عن مشاعره تجاهها رغبة منه في الاقتران بها، فوافقت، واقترنا، وعاشا معاً زمناً، ثم افترقا حينما استحال عليهما أن يستمرا معا.
لا يوجد في ما ذكره الشيخ يوسف القرضاوي في الحلقة 22 من “مراجعات” – وقد أحسن لأسماء بن قادة ولم ينس ما كان بينهما من فضل – ما يبرر الإساءة إليه أو التشهير به. بل ينبغي أن نكبر في الشيخ وفاءه وصدقه وشجاعته وأمانته. ونعوذ بالله، ثم نعوذ بالله العلي العظيم، أن نكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “وإذا خاصم فجر”.
سأل سيدنا عمر رضي الله عنه، أحد الولاة: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده،
قال عمر: إذاً فإذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل، فسأقطع يدك،
إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم, ونستر عورتهم, ونوفر لهم حرفتهم؛ فإن وفيناهم ذلك تقاضيناهم، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل, فإن لم تجد في الطاعة عملاً, وجدت في المعصية أعمالاً, فاشغلها في الطاعة قبل أن تشغلك في المعصية