الخروج على الحاكم الظالم مبدأ قرآني ومنهج علماء السلف | توهيب الدبعي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بدأ الإسلام ديناً يدعو إلى تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله –عز وجل- وأصبح اليوم في نظر الكثير دينا يوجب على أتباعه الخضوع للرؤساء والعلماء مهما انحرفوا وبدلوا، وأصبح الناس اليوم يدعون إلى دين ممسوخ مشوه لا تصلح عليه امة ولا تستقيم عليه ملة جر على العالم الإسلامي التخلف والانحطاط وشيوع الظلم والفساد وتسلط عصابات إجرامية لها سدنة من علماء السوء يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، ولم يكن هذا الانحراف بسبب الدين بل بسبب انحراف أوصياء الدين عن مبادئه وغاياته ومقاصده بالتأويل الفاسد والتحريف الكاسد، حتى لم يعد دين الناس اليوم هو الدين الذي كان عليه الصحابة الذين -رضي الله عنهم ورضوا عنه- مع كون القرآن ما زال غضا طريا كما نزل، إلا انه حيل بين الناس وبينه بمفهوم مئات من العلماء وتأويلهم، حتى لا يكاد المسلم اليوم يقرأ آية من كتاب الله مهما كانت صريحة وقطعية في دلالتها حتى ينظر ماذا فهم منها الآخرون، وهذا هو الفرق بيننا وبين الصحابة الذين كانوا يتعاملون مع القرآن كما انزل دون أن يحدد لهم احد معالم الطريق، كيف وهو الكتاب المبين بلسان عربي مبين والميسر للذكر لكل مدكر والمفصل تفصيلا والأحسن تفسيرا.

لقد تم تفريغ الإسلام من مضمونه، فصار أكثر الدعاة إليه اليوم يدعون الناس إلى دين لا قيمة فيه للإنسان وحريته وكرامته وحقوقه، إلى دين لا يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية، بل يرفض تغيير الواقع ويدعو إلى ترسيخه بدعوى طاعة ولي الأمر وسدنته من الملأ الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ؟!!

ماذا سنقول للعالم الآخر حين ندعوه إلى دين الله؟؟ كيف ندعو شعوب العالم الذي تساوى فيها الحاكم والمحكوم حيث الشعب يحاسب رؤساءه، وينتقدهم علانية ويعزلهم بطرح الثقة بهم، ولا يستطيع الحاكم سجن أحد أو مصادرة حريته أو تعذيبه؛ إذ الحاكم وكيل عن المحكوم الذي يحق له عزله؛ إلى دين يدعو أتباعه اليوم إلى الخضوع للحاكم وعدم نقده علانية، وعدم التصدي لجوره، والصبر على ذلك مهما بلغ فساده وظلمه؛ إذ طاعته من طاعة الله ورسوله؟! كما يحرم على هذه الشعوب الحرة أن تقيم الأحزاب السياسية أو تتداول السلطة فيما بينها لو دخلت في الدين الجديد ؟!!

إن شعوب العالم حين تنظر لديننا بهذا المنظار لن تفكر الدخول فيه حتى تقوم الساعة وهذا ما تظنه شعوب العالم في المسلمين لقد أصبحنا فتنة نصد الناس عن سبيل الله، وعندما وصل الحال بعلماء بني إسرائيل إلى هذا الحد قال الله للمؤمنين

، ولو كان ذلك في حق الأنبياء فضلا عن العلماء والدين الجديد نهى عن ذلك وألغى هذه الوصايا وجعلها عنوان الدين الجديد دينا يدعو إلى تحرير الشعوب من الذين يأكلون أموالهم بالباطل ويجعلون أنفسهم أربابا من دون الله فالحلال ما أحلوه والحرام ما حرموه حتى اتخذهم الناس أرباباونسخ الله ذلك الدين المحرف وجاء بالدين الجديد

ثم حذرنا أن نقع في غيهم فقال لنا ،واختلفوا بغيا وحسدا بينهم مع أنها آيات بينات (وندد بالذين حرفوا وبدلوا آيات الله وكتموها واشتروا بها ثمنا قليلا

فما هي الآيات البينات التي اختلفنا فيها:

فرض الله الجهاد نصرة للمظلومين

فبدل علماء السوء قولا غير الذي قيل لهم في الآيات البينات وقالوا اصبر على الظالم وان جلد ظهرك واخذ مالك.ووصف المجتمع الجديد بأنه مجتمع إذا سامه الظلم لا يسكت فقال

، لكنهم لاموه وقالوا له المطالبة بالحق خروج على الحاكم وإخلال بالأمن ودعوة إلى الفتنة، بل أجاز له أن يقول ما في نفسه ويهتف بأعلى صوته ولو جهرا يجوب الشوارع ما دام مظلوما حتى لو جهر بالسوء الذي يرعب الظالمين وأكد لهم في القرآن أن المظلوم إذا انتصر لظلمه فلا لوم عليه

، فبرروا ظلمه وأمروا المظلوم بالسكوت وقالوا هو منهج الرسول وطريق الصواب وهو مخالف للكتاب.والله قال لهم إن الفتنة هي ظلم الناس فلوموا الظالم وقفوا مع المظلوم

وجعل الله الدخول في الدين اختيارا من دون أكراه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[البقرة : 256]، ولكنه جعل الدخول في العدل إجبارا فقال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ )[النحل : 90]، وأمر نبيه أن يقول لهم (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى : 15]،

ولكننا اجبرنا الناس على قبول الظلم والرضا بالظالم ولو جلد ظهورنا واخذ أموالنا وقلنا هذا دين الله .

وروينا في ذلك ما وضعه الوضاعون عن رسول الله وأكدناه بنقول لا عصمة لها من أقوال علمائنا وسكتنا عن كل ما يؤيد معنى القرآن ومبادئه وصار حالنا مستعصيا أن نتراجع عن أقوالنا ويئسنا عن ثني ورد القائلين بهذا من سدنة السلطان كما وصل الحال بعلماء بني إسرائيل حين قال الله عنهم

ومن أعجب العجب صراحة القرآن ودقة توصيفه وتفصيله لما يحدث وكأنه يتنزل اليوم حين نرى هذه الآيات البينات وخصوصا عندما تقول لهم اتبعوا كتاب الله قالوا لك : قال فلان من السلف وقال العالم الفلاني وأنت تخالف الأجداد والآباء وقل لنا من هم علماؤك وليس لك مشائخ ومن هو سلفك في قولك وهذا اكبر ما يعيبونك به ولكم أن تحكموا معاشر المسلمين بعد قراءة قول الله عز وجل :

وحتى يستبين الطريق ويزول الالتباس فإن سلفنا الصالح لم يخالفوا القرآن والسنة، وما ينقله سدنة الحكام الظلمة قول محرف عن العلماء أو كان في ظروف خاصة تم بتر أقوالهم بترا، والذين لا يخشون من تحريف القرآن على وضوح آياته كيف يخشون من تحريف أقوال السلف واليك ما يدهشك من أقوال علماء الإسلام رحمة الله عليهم في الثورة على الحكام الظلمة:

الإمام مالك يقول : من يكره الناس على اختياره خليفة تحت أي ضغط فلا بيعة له وقد سجن وعذب بسبب رأيه هذا. (العلل ص186). فما نقول في بيعة من يزور إرادة الناس ويكره الأموات في قبورهم على مبايعته؟

(تاريخ الذهبي 9/331) ، الذي يداهن الظالم خوفا من أذاه لا خير فيه والخير في من يقول الحق فيؤذى.وكان يقول:

حبس سفيان الثوري وابن جريج وعباد بن كثير لأنهم ناوءوا سياسة أبي جعفر المنصور (الطبري 4/515)

وقال الذهبي عن الساكتين من العلماء عن الحق:

قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا، سفاكا للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى، لا كخلق من علماء السوء، الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقا – قاتلهم الله – أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق.

أهل السنة يخرجون على الظالم :

احمد بن نصر الخزاعي:بايعه الناس على خلع الواثق واعد لذلك وظفر به فصلب فقال بن كثير في البداية والنهاية 10/317 عنه ( كان من أئمة السنة من أكابر العلماء العاملين ختم الله له بالشهادة).

ابن حجر: قسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسيرة النبوية فهؤلاء أهل حق ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج وقسم خرجوا لطلب الملك فقط وهم البغاة. فيض القدير (3/ 679).

ابن حزم ينكر على من يقول بإجماع الأمة على حرمة الخروج على الظالم ويؤكد أن أفاضل الصحابة وأكابر التابعين وخيار المسلمين خرجوا على الظالم فقال في مراتب الإجماع ص199 : ( وقد علم أن أفاضل الصحابة وبقية الناس يوم الحرة خرجوا على يزيد بن معاوية، وان ابن الزبير ومن تبعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضا، وان الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم أترى هؤلاء كفروا؟؟

أي: ما صحّ ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون به وهو الشرك ، والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئاً والمعنى: أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضمّ إليه الفساد في الأرض. فتح القدير (3/ 496)قال عند قوله تعالى:

وأكد الطبري هذا المعنى عند تفسير نفس الآية :

.تفسير القرطبي (9/ 114)فقال : (وأهلها مصلحون) أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق، أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

وقال ابن تيمية

آهل السنة يحرمون القتال تحت راية الحاكم الظالم ضد من يخرج عليه يطالب بحقه قال بن حجر:

(( وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَة إِمَام جَائِر أَرَادَ الْغَلَبَة عَلَى مَاله أَوْ نَفْسه أَوْ أَهْله فَهُوَ مَعْذُور وَلَا يَحِلّ قِتَاله وَلَهُ أَنْ يَدْفَع عَنْ نَفْسه وَمَاله وَأَهْله بِقَدْرِ طَاقَته.

آهل السنة يرون أن من خرج على الحاكم الظالم الذي يريد أن يسلب حقه معذور:

. فتح الباري لابن حجر (19/ 389) قال بن حجر:

قال ابن القاسم :

وسئل مالك عن الحاكم إذا قام من يريد إزالة ملكه هل يجب الدفاع عنه فقال: ( أما مثل عمر بن عبد العزيز فنعم وأما غيره فلا ودعه وما يريد، فينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم الله منهما جميعا) العقد المنظم بحاشية تبصرة الحكام 2/195

وأفتوني في الثورة التونسية والمظاهرات في اليمن ومصر والأردن ( ذاك هو كتاب الله وهؤلاء هم علماء السلف

واهدي للقارئ الكريم هذه الأبيات لشاعر الثورة التونسية فاعتبروا يا أولي الأبصار:

لـقدْ نامَ أَهلُ العِلْم نوماً مغنطَساً

فـلمْ يـسمعوا مَا رَدَّدَتْهُ العوالِمُ

سَـكَتُّمْ حماةَ الدِّين سَكْتَةَ واجمٍ

ونـمْتُمْ بمِلْءِ الجَفْنِ والسَّيلُ داهِمُ

أَفـيقوا فـليلُ النَّومِ ولَّى شبابُهُ

ولاحـتْ للألاءِ الصَّباحِ عَلائِمُ

فـدونَ ضجيجِ الفاسقين سَكينةٌ

هـيَ الـموتُ ممَّا أَورَثَتْهُ التَّمائِمُ

عـوائدُ تُـحيي في البلادِ نوائباً

تـقُدُّ قُـوامَ الدِّين والدِّينُ قائِمُ

أَفـيقوا وهُـبُّوا هَـبَّةً ضَيْغَمِيَّةً

ولا تحجُمُوا فالموتُ في الجبْنِ جاثِمُ

فـواالحقِّ مَا هذي الزَّوايا وأَهلُها

سِوَى مصنعٍ فيهِ تُصاغُ السَّخائِمُ

لـحى اللهُ مَـنْ لـمْ تَسْتَثِره حميَّةٌ

عـلى دِيـنه إنْ داهمتهُ العَظائِمُ

لـحى اللهُ قـوماً لم يُبالوا بأَسْهُمٍ

يُـصوِّبها نـحو الـدِّيانَةِ ظَـالِمُ

توهيب الدبعي – ماليزيا

Posted by ‎عـــاش الشعـــب‎ on Wednesday, May 8, 2013

Comments (1)
Add Comment
  • الهدي المحجوب

    لا حول ولا قوة الا بالله …. حرص البعض منا على التفكير في نظر غيرنا من الامم اكثر من حرصهم على التزام الادلة الشرعية … ان الفارق كبير جدا بين تعاليم الاسلام التي تامر بدفع الظلم وبين التوجه العام عند العض لقلب انظمة الحكم ، هل قال الرسول : إن من اعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ؟ أم قال : من أعظم الجهاد عزل سلطان جائر ؟
    وهل قال ابو بكر : إن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقزمزني ؟ أم قال : وإن أسأت فاعزلوني ؟
    وهل قال عمر : إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني ؟ أم قال : وإن رأيتم في اعوجاجا فاعزلوني ؟
    وهل أجابه المجيب قائلا : لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا ؟ أم قال : لو رأينا فيك اعوجاجا لعزلناك ؟
    ورب الكعبة ما مثل البعض منا الا كمثل من اصيب بعمى الالوان ، سواء بسواء ، اختلط عندهم اللون الازرق بالخضر بالبني …. إلخ .
    يا قوم اتقوا الله واعلموا ان الاسلام يدعو لوقف الظلم ، وينهى عن النزاع على الحكم ، انتبهوا لقول الرسول : ” إنكم ستحرصون على الإمارة ” ؟ ابعدوا الاسلام عنكم ان كنتم حريصين على الحكم ، ولا تزجوا به ، فذلك يقبل منكم على مضض ، وقدموا الادلة على عقولكم واتبعوها ، ولا تجعلوها تابعة لكم ، لعلكم تفلحون