الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه سلسلة (نحو وعي سياسي راشد)، وهي عشر مقالات، كان أولها بتاريخ 20 /9 /2010م، وتم الفراغ من هذه الرسائل فجر الأحد 4 /2 /1432هـ الموافق 9/1/ 2011م، وقد حاولت فيها معالجة مشكلات الواقع السياسي، من خلال النظر إلى أصول الخطاب القرآني والنبوي والراشدي، والاجتهاد وفق فقه المقاربات، لسد الفجوة والهوة بين الخطاب السياسي الراشدي المأمول، والواقع وإشكالاته، وهي اجتهادات تحاول كشف الخلل في أداء العمل السياسي الإسلامي المعاصر، واستعادة هويته العقائدية كأساس لمشروعه السياسي، والفصل بين الواقعية السياسية ومقتضياتها، والمثالية ومبادئها، وكيفية تحقيق الأهداف المرحلية، دون تخل عن الأهداف النهائية، وكيفية التعامل مع الأنظمة القائمة، دون الاعتراف بشرعيتها الدينية… إلخ
وقد توقعت في هذه الرسائل حدوث التغيير، ونهاية الدولة العربية الوظيفية، فجاءت بعد أشهر من هذه الرسائل الثورة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والمغرب والسعودية والجزائر…إلخ لتؤكد صحة ما ذكرته من حدوث التغيير وضرورته، وهو ما يفتح الطريق للأمة من جديد لتتلمس طريقها، بعد عقود من سيطرة مشروع (سايكس بيكو) والدول الوظيفية التي أقامها على أنقاض آخر خلافة إسلامية!
كما تعرضت بالنقد للأداء السياسي الإسلامي – ونحن جزء منه – لا عداء لأحد، بل إشفاقا وحرصا على العمل الإسلامي الذي فقد هويته ورسالته في خضم الاضطرابات التي تعصف بالأمة منذ عقود، وقد كان لهذا النقد البناء الوارد في هذه الرسائل أثره الإيجابي على كثير من قيادات العمل الإسلامي، الذين تفاعلوا مع هذه الكتابات وغيرها من الكتب التي ألفتها في هذا الباب، وقد تواصل كثير منهم معي، واعترفوا بأن ما ذكرته هو فعلا أزمة الحركة الإسلامية اليوم، وقد استشهد الشيخ المجاهد راشد الغنوشي ببعض ما ذكرته في (العقيدة السياسية)، ولعل ما جرى بعد ذلك من تطور كبير على أداء الحركة أثناء الثورة في تونس ومصر ومواكبة حركة الثورة الشعبية من آثار هذا النقد!
ولست أدعي الإحاطة في مشكلات الواقع، ولا الإحاطة بالحلول السياسية الشرعية، إلا إن في هذه السلسلة من القواعد والأصول والتطبيقات ما يجعل السياسي المؤمن بالإسلام ووجوب عودته من جديد ليسود العالم بالعدل والرحمة كما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، قادرا على خوض غمار السياسة بحكمة شرعية، وبصيرة فقهية، وقبل ذلك كله توفيق الله وتسديده لمن أخلص النية وأحسن العمل، وما توفيقي إلا بالله…