”أمّ أمين” ملحمة صمود …
وعدتكم بكتابة مقال عمّا تريده فرنسا من العصابة الحاكمة هذه الأيام…بعد مكالمة ماكرون بالأمس وزيارة قائد أركانه إلى الجزائر قبل أيام ..
أعتذر لن يكون جاهزا هذه الليلة.
فقد فضّلت لقاء إحدى المقاومات الشريفات، وقد جاءت من الجزائر وسعدت بالحديث إليها، لما يزيد عن ساعتين، بحضور أخوينا الصحفي عادل لعزيزي …
المرأة الكريمة، هي أم أمين …
التي تخوض معركة الحقيقة منذ ما يقارب 22 سنة، و بالضبط منذ 27 فبراير1996 …
كان أمين، البالغ من العمر 16 عاما حينها، يقضي الليلة في بيت جدّه في حي باش جراح الشعبي، حيث وعده خاله بمساعدته في فهم دروس اللغة الإنجليزية التي سيمتحن فيها في اليوم الموالي..
…حوالي الساعة الثانية وعشرين دقيقة يقتحم زوار الفجر البيت..
الجد المفزوع يسأل قائد الشرطة الخاصة، الذي دوّى صوته في أرجاء البيت المتواضع، “: واش كاين ؟”
الرد “ورّاه لمين…يا الخونة”
الجد” أحشم حنا مناش خونة…أنا مجاهد دافعت على البلاد ضد فرنسا وولادها ”
شرطيٌّ آخر يقتحم الغرفة الثانية، أين كان أمين قد استسلم للنوم في أحد أركانها، متأخرا بعد ساعات من ”المراجعة ”…
يستيقظ أمين مفزوعا لايفهم ما يدور من حوله…..
يأخذه الشرطي من ذراعه و يدفعه بقوة، يسقط من سريره على الأرض…يلتقطه الشرطي من جديد ويدفعه بشدة خارج البيت، وهو بلباس النوم، حيث كانت قوة عسكرية من “مكافحة الإرهاب” في الانتظار في جو شديد البرودة……
خاله، الذي كان يتقاسم معه الغرفة الصغيرة ويدرّسه قبل ساعتين فقط، ظل مذهولا وهو يشاهد ما يجري عند رأسه وأمين مرعوبا لا يقدر على الكلام …
يأمر قائد الشرطة سكان البيت بالتجمع في ساحته الصغيرة لبعض الوقت حتى يكتمل تفتيش الغرفتين والصالة …
قائد الشرطة للجد: “نحققوا معه وغدوة يرجع””
بعد ربع ساعة يغادر عناصر الشرطة البيت، كانوا ثمانية أو تسعة من الشرطة الخاصة تبدو عليهم الشدة والغلظة…وبعضهم ملثّما بلباس نينجا”..”
يعود أهل البيت إلى الغرف، كل الأثاث صار مقلوبا رأسا على عقب ..
…بعض المال والذهب وجهاز راديو اختفى كما سيختفي أمين
من لحظتها تلك إلى يومنا هذا ..
…في تلك الليلة ليلة اختفاء أمين سيختفي أيضا تسعة شباب آخرين من حي باش جراح ..
ولتعيش أم أمين وزوجها، الذي توفى قبل حوالي عشرة أعوام، وأبناؤها الخمسة الآخرين، طفلان وثلاث بنات، مأساة حقيقية …
ستسأل أم أمين كل أقسام شرطة العاصمة وكلهم نفس الرد:
لا ندري…لا علم لنا…ليس عندنا…لم نسمع به أبدا …ستذهب إلى المستشفيات وإلى مقرات الحكومة والداخلية والدرك والجيش داخل العاصمة لتسمع نفس الرد، وأحيانا تسمع كلاما قبيحا بذيئا …
…وحينما ألقى خطابه يوم كان “مرشحا” سألت إحدى أمهات المخطوفين عبد العزيز بوتفليقة: أين ابناءنا؟
يردّ بوتفليقة بغضب “أڤعدي ماهوش في جيبي”…
تردّ أم أمين: نريد أبناءنا
يرمي بها حارسان إلى خارج القاعة …
..يكمل بوتفليقة تهريجه الذي يدوم ما يقارب عشرون عاما
والذي غدا منذ ستة أعوام تهريجا صامتا لا يسمع له صوت..
أمّ أمين لم ولا تستسلم أبدا..، مثلها مثل الآلاف من الأمهات والآباء…فهي لا تترك احتجاجا إلا وشاركت فيه وسآءلت الخاطفين ” :أين ولدي ..؟”
أم أمين من الذين يؤمنون بمقولة عمر المختار : ” نحن لا نستسلم أبدا، ننتصر أو نستشهد ”.
أمّ أمين مازالت، بعد 22 عاما، تتخيّل ” بأمل ممزوج بالإصرار” أنّها سترى أمين مرة أخرى ..