صراع السياسة والأخلاق في دوائر النظام الدولي/ الكاتبة الجزائرية بادية شكاط
يقول الشاعر الإنجليزي”بيرسي شيلي” :”إنّ أكبر جرم إرتكِب في تاريخ البشرية هو فصل السياسة عن الأخلاق”
فإلى أيّ مدى يُعتبرهذا القول صحيحًا؟
في كتابه مناهج الفلسفة،كتب المؤرخ والمفكر الأمريكي “ويليام جيمس قائلاً:”إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية يتم إضافتها سنويًّا إلى القانون في أمريكا”،وعقّب قائلا:”وهذه دولة تحتاج إلى أخلاق لا إلى قانون”.
و لعلّ هذه الإشكالية تقارب الإشكالية التي أرّقت الفيلسوف شيلر حين أراد العودة إلى سياسة الذات فعكف في:”الرسائل الأولى من التربية الجمالية للإنسان”على فكرة الدولة كما كانت تتشكل في زمانه، فقد كان شيلر روسي الطبع، كانطي التطبّع.
فكتب قائلاً حين رأى إنهيار القيم الإنسانية على أعتاب الفظائع الدموية الوحشية:”لايأتي البناء من السياسي ولامن رجل الدين ولكن من القدرة على الإرتفاع نحو الروح والجمال، فعندما يضع السياسي أو رجل الدين نفسه في الواجهة على سبيل الشهرة والنجومية فهو يضع نفسه في الخلف باستخدامه لوسائل الإكراه،القهر،الإبتزاز والترهيب.
بيد أن عليه أن لايقود بل أن يصاحب، ولايقول هؤلاء تحت وصايتي،بل يقول هؤلاء بجانبي، فلايتكلم بمنطق الفَوقية بل بمنطق المَعِيّة”.
وكأنّ الفيلسوف شيلر يقول،إنّ الذي يعجز عن تسييس ذاته هو عن تسييس دولته أَعجَز، وكأنه أيضًا وهو لنضوج فلسفته ينتظِر، إلى هذا العصر ينظُر.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي أسّست أسس الفلسفة البراغماتية السياسية عرّفت الحقيقة بأنّها الفكرة التي تنجح، وليست الفكرة ذات القيمة الأخلاقية،فصارالتخطيط لسرقة أموال الفقراء هو أنجح و سيلة للثراء والظلم، والقهر و الإستبداد هو أنجح وسيلة لتحقيق السلطة، فالعالم مجرّد سوق و الإنسان فيه مجرّد أداة للإنتاج أو الإستهلاك فقط.
و لذلك فقد ركبت الكثير من الدول الإسلامية رغم ثقلها العقدي في المنطقة العربيةموجة البراغماتيةو علّقت دواليب الحكم بتلابيب أمريكاإسرائيل وغيرهما، مماجعلها تربة خصبة للإبتزازات الماليةالتي تثري خزائن النظام الدوليليستمر في طغيانه وإجرامه وليحمي أقدم كيان مجرم في المنطقة و هوإسرائيلولو كلّفهم ذلك ببيع القضية الفلسطينية ومقاومة مقاومتها واعتبارها إرهابية، و استبدال القدس الشريف وبيت الله الحرام بالبيت الأبيض وعدم الإكتراث للكوارث الإنسانية في اليمن أين يُقتل طفل كل عشر دقائقوفي سوريا،أين الشعب السوري يباد بأفظع الأسلحة.
ففي النهاية تلك أسلحة قد تمّت بصفقات مالية و لأطماع سياسيةليباع دم الإنسان بأبخس الأثمان،ولاوجود حتى لهيئات دولية تراقب هذه الجرائم اللاأخلاقية في حق الإنسانية، فما يوجد فقط هو ماذكره المفكر”مصطفى محمود” في كتابه “إخلعوا الأقنعة أيها السادة”حين قال:
“عصرالتجارة بالكلمات، التخذير بالشعارات، التنويم المغناطيسي بالعبارات، وقيادة الشعوب المتخلفة بهذا الحذاء الساحر..”.
فلم تعد هناك دول ترغب في التضحية بمصالحها السياسية والإقتصادية، فصارت الشعوب تتخبّط في مأزقٍ أعظم من الأنظمة الإستبدادية، وهو مأزق النظام الدولي العاري من القيم الأخلاقية، فهذا النظام الذي يقيم إحتفالية مئوية بحرب عالمية دموية هو نظام تجاوز اللاإنسانية إلى الوحشية و النظام الدولي الذي يهئ المجرم ليكون هو القاضي كما حدث في الأزمة السورية، أين صوّتت روسيا في الأمم المتحدة ضد أعمالها الإجرامية،بحق المدنيين السوريين،هونظام شريك بالإجرام، والنظام الذي يقيم توازناته السياسية بإفقاد العالم توازناته الإنسانية، هو نظام لايحتاج فقط إلى تقويم بل إلى تقويض.
فهذا الإتحاد السوفياتي قبل خرابه وانهياره قد وضع خطة لتخريب أي دولة، أوضحها “يوري بزومنوف” في إحدى محاضراته، وهو مخبر لدى لجنة أمن الدولة السوفياتي وعميل سابق لها حيث بيّن أنّ ذلك يتم بعدة وسائل منها الفكرية والبنيوية.
فالفكرية أوضح أنها تتجلّى في تسييس الدين، التشويه للقدوات المؤثرة، الإشتغال بالقضايا التي لاقيمة لها، القدوات والبطولات التافهة، وأمّا البنيوية فإنها ترسم التخريب بوضع قوانين تشريعية غير أخلاقية، تجعل من القيم الأخلاقية مجرّد أعراف لاينبغي بها الإعتراف الجزائر و أفكار قديمة لاتحمل أي قيمة.
غير أنه ورغم كل هذا الفساد يبقى كل شئ في حياة الإنسان قابل للتغيير إذا أراد الإنسان التغيير،كما قال الفيلسوف الأمريكي “جون ديوي”.
وذلك مثلاً بهدم كل محاريب التخريب بدايةً من الهيئات الدولية الزائفة كالأمم المتحدة واستبدالها بهيئة دولية أخلاقية تضم جميع شعوب العالم.
و تنصيب وزارة الأخلاق في كل دولة قطرية بدل وزارة السعادة التي لاتحقق السعادة إلّا لأصحاب السعادة.
وبعدم جعل الأحلام أنشودة الخلاص والسلام،بل علينا أن نعمل كي نفكّر،كما قال الفيلسوف باسكال،
ولنعد لهذه البشرية العدة بأن نجعل هذا العالم قابلاً للتقاسمبدل الإنقسامولنكن للإنسانية الأمةالتي تستحق أن بُعث إليها متمّم الأخلاق،سيد الخَلق عليه الصلاة والسلام، فنكون أمة القيادة، ونرسم خط الصراط المستقيم، الذي لاانحناء فيه إلا لمنحى السيادة حيث صفوفنا مستوية وغايتنا سويّة.