ربما سحب أكثر الحراك البساط من سلطة القمع..وتنبه عقله الواعي، مبكرا، واحتاط للأمر، فلم تكن معركته السلمية مع سلطة القهر والتغلب معوقا لأي من الجهود لمواجهة فيروس كورونا المستجد. ودعا عديد من ناشطيه إلى تعليق المسيرات والتجمعات..فالحكم لم يكن من همَه، في تعامله ابتداء مع “كورونا”، إلا وقف الحركة الشعبية في الساحات والميادين، فكثير مما كان ينبغي غلقه تأخر فيه (المطارات والموانئ والعزل الصحي للمناطق الموبوءة…)، وبادر إلى غلق المساجد، حيث تنطلق منها الجموع في مسيرات الجمعة..ولا يعنينا هنا تضارب الاجتهادات الفقهية في تسويغ ذلك أو الدعوة إلى التوسط فيه، فالقرار أمني استعجالي، ثم سياسي، والفتوى صبغته (على الرغم من وجاهة قرار منع الجماعات والتجمعات في المساجد وغيرها، وذلك أقرب إلى مقاصد الشريعة لأنه حاجة عامة بل ضرورة، لكن تقدر بقدرها ولا يُتوسع فيها)..بدليل أن كثيرا من الأسواق والتجمعات الشعبية ما زالت مفتوحة، وحتى في المدينة الموبوءة (بليدة)، ليس ثمة إجراءات وخطة جادة للحجر الصحي.
صحيح أن انتشار عدوى الفيروس بطيء، على الأقل حتى الآن، في انتظار الوصول إلى مرحلة الذروة، لكن لو طالت المدة سنواجه أوقاتا عصيبة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وحتى التغذية ربما تتضرر، فمظاهر التخزين التي نعاينها توحي بأن القادم أصعب إن استمرت الحالة الوبائية لفترة أطول.والحراك الشعبي أمام تصاعد الأزمة، يبرز أثره الاجتماعي التطوعي الوقائي أكثر، ليس من باب تشعب السَبل، وإنما لأن هذا الوباء قلب العالم وسبَب ركودا اقتصاديا وأثار ذُعرا كبيرا وحطَم سلاسل الإمدادات..والسلطة في عجز شبه تام، لا معدات ولا إستراتيجية واضحة ولا معلومات موثقة ولا تحرك فعَال، وتراخ واضح في العزل الصحي وتدبير الوقاية.
الحراك الشعبي يعاين هذا كله، ويحاول تخفيف الضرر على عموم الناس، فيبادر بحملات تطوع وتوعية، وقد ينغمس، تدريجيا، في العمل التطوعي الاجتماعي، خاصة إذا تفاقمت الأمور..فالسلطة كا عادت قادرة على إدارة أي أزمة لا صحية ولا اقتصادية ولا سياسية، وعقل الحراك مُدرك لهذا، وصراعه مع السلطة في جانب منه تعرية للاستبداد وإثبات للعجز والفسل وفقدان لأهلية الحكم، لكن ما هو قادم قد يدفع الحراك الشعبي، في جانبه التطوعي وحملات التوعية، إلى تحمل قدر من العبء الاجتماعي، مع احتمالات الندرة واضطراب السوق، فعجز السلطة على إدارة الأزمة من كل جوانبها، قد يفرض على الحراك حضورا فاعلا في تخفيف معاناة الناس.