يُستعمل لفظ “الشيتة” في وطننا (الجزائر) في حق الشخص الذي يحمد الغالب الوقتي، ويمجّد كلّ أفعاله، ويكتب حاشية على متنه متبرعًا طمعا في رغيف أو ترقية في وظيف، ويعرف فاعل هذه التصرّفات بصيغة اسم “الشيّات”.
لم نعدم وجود الشياتين في مختلف فترات تاريخ الجزائر، وهم في الغالب الأعم، يتبرعون بإدانة كلّ من نقد السلطة الوقتية، أما معارضة تصوّراتها للأزمات وحلولها المتجلية في برامجها وتصرّفاتها، فيسلّطون عليه ما لا حصر له من الترّهات والخزعبلات.
وهم بذلك يقدمون فروض الترقي في المناصب ونيل المكاسب أو الحفاظ عليها، وهم من نوع (إذا خاصم فجر)، لهذا تراهم “يتفننون” في تقديم شواهد الاستعداد “لخدمة” الغالب الوقتي، فيتبرعون بسب وشتم كلّ ناقد للسلطة، وهؤلاء لو راجعت تاريخهم القريب فضلا عن البعيد، لظهر لك بالعين المجرّدة أنّهم لم يعارضوا من كان في السلطة وإن أبدى ما لا يقبل عقلا ونقلا وخلقا، بل لا ينبسون ببنت شفة إذ تعلّق براكب السلطة (الأسد)، فإذا نزل عنها أو أنزل منها، وأكل الأسد (السلطة) راكبه السابق، تداعوا إلى الإجهاز عليه، وتولوا مهام النيابة العامة في الكشف عن كلّ مثالبه، وحرّضوا عليه تحريضا يندى له جبين العقلاء والشرفاء والأفاضل.
عاصرت مُمجدين للحاكم في كلّ فترة، فهم يمجدون الغالب المُسَلْطَن الوقتي، فرأيتهم مادحين للسابق ومادحين للاحق، بالرغم من أنّ اللاحق قام على أخطاء وخطايا السابق، فكيف لعاقل أن يقبل مُمَجِّد السابق بأخطائه وخطاياه، ويثق به لقول الحق والحقيقة للاحق؟ لهذا فالشياتون لا يقيمون دولة، ولا يمكن أن يؤسسوا دولة.الشياتون في الغالب الأعم يرضون بدور (الحِلْس) أي الحلاسة على قول عامتنا، يوضع الحلس على ظهر الدابة إذا كانت الرحلة قصيرة، وينتهي دورها إذا طالت مدة الرحلة.
* ميزات عقل “شيات”:
1- لا يفكّر بالجدية اللازمة، قصارى ما يقوم به هو التفنن في تأييد من بيده السلطة الوقتية، يوافقه في كلّ تصوراته وتصرّفاته، يصدّقه في كل ما بدر منه من برامج وتعيينات وتغييرات و…
2- العقلية الشياتية لا تعرف الصدق مع الصدق، بل تصدق في موافقة الغالب الوقتي، لأنّه غالب وقتي لا لأنّ تصوّره صحيح وتصرّفه قويم. فالعقلية الشياتية تبع لما يحقق مطالبها الشخصية.
3- الشياتون في الغالب الأعم أنانيون، يحبون أنفسهم، ويدورون مع منافعهم الشخصية والشللية حيث دارت.
4- الشيات ليس وطنيا على الإطلاق، لأنّه لم يبرمج نفسه على الوطن، يدور معه حيث دارت مصلحة الجماعة الوطنية، بل لا يثق بغير منافعه الوقتية، وهي في الغالب أمور دنيوية زائلة تافهة، ليس فيها شيء معتبر في تاريخ المجتمعات والأفراد الشرفاء، والدليل: ماذا يذكر التاريخ عن المجتمعات والأفراد، هل ينقل عنهم ما أكلوا وما شربوا، أم ينقل عنهم ولنا ما أنجزوه من مفاخر لهم ولوطنهم، فبما يفخرون، هل يفخرون بلقيمات سرقوها بتمجيد سلطة على حساب وطن؟ لو نقلها التاريخ لكانت مذمة ما بعدها مذمة.
5- التعويل على الشياتين لبناء دولة الحق والصدق والقانون والحريات، كانتظار عسل من الذباب، والذباب أصلا يرضى بفتات الفتات، ومثله كانتظار النظام والانتظام من رجل فوضي بامتياز.
6- سرعة الشياتين في تغيير الجهة التي يرافعون عنها لمجرد احتمال تغيير مراكز القوة، فهم يعملون لنيل الرغيف المحسّن، ووطّنوا أنفسهم في الوقت نفسه على التأهّل لقول الفكرة ونقيضها، فيبنون الأوهام للسلطة، ويزيّنون لها تصوّراتها وتصرّفاتها، فإذ وقع أن سقطت تبرؤوا منها، وقالوا لم نكن إلاّ منفّذين ولم نكن نافذين، فلم يكن لنا الرأي في التصور والتصرف، فلمَ تبرعتم بالمرافعة عنها بحق وبباطل كثير؟
الشياتون هم نوع سيّء من المدَاحين، وفي هذا السياق وُفِّقَ الإمام مسلم في صحيحه في اختيار عنوان الباب، فسمّاه “باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح”، هذا إذا خيف على الممدوح، فكيف إذا الخوف متعدد الجوانب، وكيف إذا خيف منه منع الصدق وتأييد السلطة الوقتية لأنّها سلطة لا لأنّها صحيحة التصوّر والصرّف..
لهذا، فالواجب في الشرعي والأخلاقي والعقلي في حق الشياتين هو ما ورد في حق المُطَبِّلين المُبْطِلين من المداحين، المستفاد من قول المصطفى عليه وعلى آله أزكى الصلاة والتسليم: “إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب”، وهم الذين يحمل عليهم قول الإمام شرف الدين النووي: “النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح”.
فهل من كَذَبَة أكبر جرما في حق الوطن من الشياتين؟ إنّهم لا يبنون وطنا بل يخرّبونه، ويدمّرون ثقة الناس في الوطن، والثقة في الكفاءات الوطنية الناقدة التي تريد وطنا حرا سيّدا في إطار قيمه وماجد تاريخه، وطن لا الظلم فيه ولا شرطة (البوليس) سياسية تراقب الأنفاس، فلا يضطر المخالف في الرأي لمغادرة وطنه.عودة الوعي بخطر الشياتين على الوطن ووحدته، فضلا عن خطرها على الوعي الوطني، يقضي على الشياتة بوصفها وظيفة موسمية، فالشياتة مهمّة لا تدلّ على شرف باذلها ولا مثمّنها والرضا بها طريقة لبناء وطن موهوم، بل هي شهادة على عكسها تماما.
د.عمار جيدل