على البشر التواضع… فأصغر مخلوق يمكن أن يُبدَد جمعَهم

علمتنا الأيام أن كل الأحداث المهمة في تاريخ البشرية تأتي بغتة دون أن يحس بها الراجمون بالغيب. رأينا طيران العالم مُلصقا أجنحتَه بالأرض لا تكاد تغادر، ومطاعمَ العالم ومقاهيه خالية مقفرة.. فعلى البشر التواضع. فلو قيل لأيَ منا قبل شهر إن الولايات المتحدة ستصدر قرارا يمنع الأوروبيين من دخول أراضيها لعجز خيالنا عن تخيل ذلك.

ولو قيل لنا إن النمسا ستمنع دخول الإيطاليين لأراضيها لما صدقنا. وهذا بوتين، مالك الترسانات النووية، المحروسُ بآلاف الأعين الساهرة طيلة الليل والنهار. هذا هو ذا، قاتل أطفال سوريا وليبيا يرتعد فَرَقاً من مخلوق لا ترصده الحواس الخمس. إن في ذلك لعبرة لأولى الألباب!..

وكتبت مجلة “فورين بوليسي” أن فيروس كورونا هو أسوأ فشل استخباري في تاريخ الولايات المتحدة. وقالت إنه فشل أسوأ من هجمات اليابان على بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية .

فعلى البشر التواضع، فأصغر مخلوق يمكن أن يبدد جمعَهم ويُقفِر نواديهم ويخلي الجوَّ من طيرانهم. وإن صحت التوقعات سيكون الأُثر الأهم اقتصاديا، إذ ستسكن الأيدي عن العمل وتبور التجارة وتهدأ المصانع مما سيغير توازنات القوى. وكما كتب أحد الأدباء الموهوبين: “يزاوج البشر بين الغرور الطافح والرخاوة المُزرية. إذا انبسطتْ الحياةُ ونالوا فتوحا علمية ادعوا القدرة على الأرض. فإذا ظهر فيروس ضئيل رأيتَ أسواقهم خالية وطائرتهم رابضة، وهم معتصمون وراء نوافذهم يرتجفون… قليلا من التواضع”.

وانظر كيف أن حالة واحدة كانت سببًا في خروج الأمر عن السيطرة، فقد وصل كورونا (كوفيد-19) إلى كوريا الجنوبية وبقي تحت السيطرة إلى حد كبير في البداية، لكن مع تأكيد إصابة “المريضة 31” أخذت الأمور منعطفاً بائساً.. فكيف أسهمت حالة واحدة في تفشي الوباء في بلد بأكمله؟

الأمر جدَ لا هزل فيه ولا مزاح، والاستسهال واللامبالاة داءان عُضالان. يرى مصارع الناس بعينيه ويغمضهما كأن لم ير شيئًا. العالم كله بقوته وثرواته الآن عاجز ويواجه حالة من الغموض واللايقين…

من لم يخضع ويُذعن ويسلم تسليما مُطلقا طوعا للواحد القهار، فها هو اليوم يشهد ضعفه قسرًا: “إن الإنسان لكفور مبين”..

ويتحدثون في بعض دوائر الغرب عن “حرب عالمية ثالثة” يمكن أن تتحقق بإهمال حصار المرض، والتساهل في السيطرة عليه.. حرب عالمية ثالثة يشنّها فيروس!

ما نراه اليوم لا يختلف عمّا نقرأه في الكتب ولم نرَه، ونتآنس به في المجالس بوصفنا نروي غرائب وطرائف بديعة، لكن الجديد في هذا العصر: يعصف بالآلاف في ثانيتين ونصف! إسراف في توفير الأسلحة الفتاكة، وتقصير في توفير الكمامات من أجل الأزمات. خوف هائل من فيروس، وتكديس لأسلحة كفيلة بتدمير الكوكب عن بكرة أبيه، تدّخر لوقت الحاجة، أسلحة على حساب تعليم وصحّة وتطوير وجوعى ومرضى ومعوزين..

وفي نهاية المطاف، تتسابق الدنيا لإخراج عقار للمرض، ونحن ننتظر النتائج. فقد أخرجنا الاستبداد من حلبات السباق. لا نملك إلا تأمل سباقهم..

صحيفة الامة الالكترونية

البشريةالتلوثالجزائرالصحةجائحة