بهذا التعبير لخص القاضي السابق بالمحكمة العليا أحسن بوسقيعة وضعية الجزائريين حيال التمادي في اللجوء للحبس المؤقت، رغم أن المادة 123 من تقنين الاجراءات الجزائية تعتبر بقاء المتهم حرا أثناء التحقيق قاعدة عامة و حبسه مؤقتا أو اخضاعه لإجراء الرقابة القضائية استثناءا تفرضه ظروف محددة في إطار شروط صارمة، إلا أن الممارسة القضائية عكست القاعدة و جعلت الحبس المؤقت قاعدة عامة لا يكاد يكون لها استثناء.
لا يختلف اثنان من دارسي القانون في وضوح أحكام المواد 123، 123 مكرر و 124 من تقنين الاجراءات الجزائية، إلا أن القضاء و الدفاع على طرفي نقيض بخصوص تطبيقها.
ورغم أن جل الجرائم التي توبع بها الحراكيون لا تتجاوز مدة الحبس فيها ثلاث سنوات، و رغم أنهم يقيمون في الجزائر ، إلا أنهم يحبسون مؤقتا رغم أن المادة 124 تمنع ذلك صراحة، و لا تبيحه إلا استثناء و في حالتين فقط لم تتوفر أي منهما في قضاياهم، فلا وفاة إنسان ترتبت و لا إخلال ظاهر بالنظام العام، لأن ممارسة ما يجعله الدستور حرية و هو التظاهر السلمي بالمادة 49 تعني في النهاية أن المؤسس الدستوري أخرج تماما كل الجرائم المرتبطة بممارسة حرية التظاهر من دائرة ” النظام العام” التي تعني في مدلولها القانوني الدقيق، القيم الاجتماعية و السياسية و الثقافية المعتمدة في مجتمع معين في زمن معين، و للذين يشككون بذلك أن يطلعوا على أحكام المادة 38 من الدستور التي تعتبر الحريات الأساسية تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين ، واجبهم نقله من جيل إلى جيل ليضمنوا عدم انتهاكه!!!
لذلك لا داعي للاستناد إلى حالة الإخلال بالنظام العام لتبرير اللجوء المفرط للحبس المؤقت.
و رغم أن المادة 59 من الدستور قبل المادة 123 من تقنين الاجراءات الجزائية، تعتبر الحبس المؤقت اجراءا استثنائيا و تصرح في الفقرة الثانية منها على أن يعاقب القانون على أعمال و أفعال الاعتقال التعسفي بما معناه أن كل لجوء للحبس المؤقت بشكل يجعله قاعدة عامة، يجعل منه تعسفيا، يفترض أن يعاقب عليه القانون.
و رغم أن الاعتداء على الحريات منظم بالمواد 107 و ما بعدها من تقنين العقوبات، إلا أن الممارسة القضائية جعلت الحبس المؤقت قاعدة عامة من دون استثناء.
كنت و لازلت من الذين يدافعون باستماتة عن استقلالية السلطة القضائية، و لكني أصبحت مهزوز الإيمان بهذا المعتقد، حيث ظهرت الحاجة جلية في الجزائر لسلطة رابعة تراقب السلطة القضائية لنصبح استثناءا حقيقيا بالنسبة لدول العالم التي تقوم كلها على ثلاثة سلطات، لا أتحدث طبعا عن إعلام البلاط وإنما أتحدث عن سلطة حقيقية تراقب السلطة القضائية.
كم هي عميقة جدا مشاكل الجزائر و كم هو سطحي جدا تفكير النظام.
صدقت سيدي، الشعب كله في الافراج، حتى القضاة منهم!!!
-متضامن مع خالد درارني و مع الشعب الموجود في الإفراج.
د. رضا دغبار