كثرة المطالبات والمناشدات من أحرار البليدة المنكوبة بما يعين الناس على الاستمرار بحجر أنفسهم، ليست سوى جرس إنذار، هي رأس جبل جليد الجوع الذي يهدد كثيرين من سكان الأحياء الشعبية المتضررة من توقف الأعمال والغلق شبه كلي للمدينة على مدار الساعة. السكان ينفذون ما تقرره الحكومة، لا لخوف من دولة غير موجودة، بل لقناعتهم بضرورة الحفاظ على صحة الذين تخونهم مناعة أجسادهم في مقاومتها للفيروسات.
في المقابل، لا تزال الحكومة تسير ببطء. بعد شهر تقريبا من بدء تسجيل الإصابات بفيروس كورونا، وفيما تتشدّد الإجراءات التي تقول الحكومة إنها ستساعد على التخفيف من سرعة انتشاره، لم يشعر سكان بليدة المتضررة وغيرها من المناطق الموبوءة، بوجود دولة يستندون إليها، ويطالبون بتسهيل عبور المعاونات والمساعدات الغذائية وإلا سيتحول الأمر إلى انفجار اجتماعي، وقوده أولئك الذين سيُخيّرون بين “الموت بالفيروس” و”الموت جوعاً وقهرا”. ثمة إجراءات لم تشرحها الحكومة.
لماذا الإقفال الكلي لبعض المناطق أو لكثير منها؟ أليس من الأجدى السماح لمؤسسات كثيرة بالاستمرار بالعمل، شرط التزامها بمعايير سلامة العاملين فيها؟ لماذا لا تزال مراكز البريد والمصارف مقفلة، رغم أن الجميع، بلا استثناء، يعرفون أن إقفالها لا صلة له بوباء كورونا؟
كثرت الأسئلة التي تصب جميعها في خانة تثبيت الانكماش الاقتصادي الذي سبق كورونا إلى الجزائر. هذا الانكماش سبّبه وباء آخر، لا صلة له بـ”كوفيد 19″، لا يقل بشاعة وفتكا، وهو الإفلاس السياسي لسلطة منتهية الصلاحية. الحكومة لا تشرح إجراءاتها، والأسوأ من ذلك أنها شديدة البطء. كثيرون يعيشون تحت خط الفقر، وأعداد لا حصر لها فقدت عملها أو توقف بسبب الحجر، من دون أي التفات إليهم وسد حاجياتهم في هذا الظرف الاستثنائي، إلا ما كان من بعض معونات تصلهم من حملات تطوعية.
المطلوب من الحكومة بسيط: أن تخرج من دائرة التردد، وأن تقرر دفع المال، مباشرة، للأسر التي بات معيلوها بلا عمل. وإلى جانب ذلك، يمكن للحكومة، ببساطة، أن تدفع الحد الأدنى للأجور شهرياً، على أقل تقدير، لكل عائلة توقف دخلها. المطلوب من الحكومة أن تُنفق من مال الناس، لحماية الناس أولاً، ولمنع انفجار اجتماعي ثانياً، فكلما تمادت السلطة في غيها وعبثها، تضاعف حجم الضرر وهلك الناس… ولا يصدّقن أحد أن تهديد كورونا سيُجبر المُعدمين على البقاء في المنازل.