الإيمان والوطن في جوَ الاستبداد الدولي


الإيمان والوطن في جوَ الاستبداد الدولي أكّدت الظروف الوبائية الراهنة، أنّنا أمام كاشف عملي على أسطورة أنّ “القوى العظمى هي الأخ الأكبر للأسرة الإنسانية”، وكشفت بما لا يدع مجالا للشك، أنّ هذه القوى هي أساس الاستئثار بخيرات العالم والاستبداد به، والاستحواذ على خيرات العالم الشرقي ومقدّراته، وانغلاق هذه القوى العظمى على نفسها، واستحواذ المقامرين بالشعوب على مصالحها، كل ذلك يجعل العالم كلّه في خطر، عالم الشعوب خاصة، لهذا فنحن أمام خطر عالمي كبير، لا يدفع هذا الاستبداد “الحضاري الدولي” بغير وحدة وطنية مستعادة بعد أن كادت العولمة أن تنسفها.

فقد جاءت الجائحة الجديدة، لتنسف فكرة العولمة من أساسها، فسنبقى الدولة أساس الاجتماع البشري، ولا يمكن للدول أن تدفع هذا الاستبداد ّالدولي” العابر للقارات، بغير وحدة وطنية، مؤسسة لنظام حكم بقاعدة شعبية عريضة. لأنّ سريان الاستبداد مثله كمثل سريان الأمراض المعدية المتنوعة، وإذا كان معيبا باسم الأنظمة السياسية المحلية، فإنه أخطر حال تلبّسه بفكر القاهر الحالي المتترّس بالقوة المادية، المستعملة لإرهاب البشر ودفعا لهم لدخول الصف مرغمين، وأكبر ممثلي هذا المسلك، الغالب الدولي الوقتي الراهن (غ، د، و، ر) (و، م أ)، التي تصرّح بحالها قبل مقالها: ليس لكم منا مفر، فإما أن تدخلوا الصف خاضعين مستسلمين، وإما ستدخلونه مكرهين.

والاستبداد في هذا السياق، سعي لتدمير القوة المعنوية قبل القوة المادية، من أجل تكوين جيل خائر القوة، يهيمن عليه الكسل والإهمال، فتراهم صرعى الاستبداد الجديد، مُسَلِّمِينَ له أنفسهم. ترك الاستبداد أثرا وخيما على القوة المعنوية و المادية، لهذا كان حديثنا عن الاستبداد حديثا عما يتركه من آثار وخيمة على الفكر الإنساني بصفة عامة. فالاستبداد كان وسيبقى سببا لكثير من الآهات، لأنّ ما يصدر عن مخالبه الناعمة، سيكون مانعا من التحرر، وناشرا للوحشية، إذ لا عيش للاستبداد من غير وحشية، فاللغة التي يحسنها المخلب والناب والظفر والعقب، و..ما كان في حكمها، وسيبقى الاستبداد بجميع أصنافه –الفكرية و السياسية-سببا في الصرخات والآهات جميعها.

وكلّ مستضعف يميل عن الوحدة واستجلاب القوة المادية والمعنية التي يدفع بها الاستبداد الدولي، سيكون أول ضحاياه. والمتصفّح لأحوال العالم وما تتناقله الوكالات هذه الأيام، يدرك أننا أمام خطر استبداد جديد متدثر بالعناية بالصحة، ومنتجاتها التكنولوجية. كما أن الاستبداد الدولي منبع تكدّر سعادتنا، وهو مصدر قلب الموازين، فيسمي القهر حرية، ويسمى الظلم عدالة، وهو سبب انتشار الرشوة والفساد الإداري، والمعاملات الاعتباطية، إنّ خطر الاستبداد الدولي الراهن، وتبعاته، يدفعنا للتفكير الجماعي في دواء هذا الاستبداد، منعا من أن يكون أساس في سيرنا السياسي والاجتماعي.

مما يتطلّبه الوضع الحالي التضحية لأجل الجماعة الوطنية الحقيقية (ليست الوهمية أو المتوهّمة)، لأنّ التضحية دواء لكل استبداد، وخاصة ذلك الذي يبشّر به خَدَمُ الغرب في البلاد الشرقية، إنّ من حدّث نفسه بالتضحية ومارسها هانت أمامه سُبُل دفع الظلم المسلّط على أمّته، وتضاعفت قوته بآلاف الأضعاف، فأمكنه رفع الغبن عن أمّته، وأغرته تلك التضحية بدفع أعزّ ما يملك من أجل صالح أمته ووطنه وصلاحهما.

المسلم الصميم في إسلامه، يطلب الثواب بدفع الاستبداد، ذلك أنّ الحرية أول ركن من دساتير الحياة، ومن سلب الحرية بحبائل الأوهام الكاذبة وتقييدها بقيود الاستبداد والطغيان يجعلنا نملّ مللا شديدا من الحرية التي يبشّر بها، حتى نفضّل القبر على هذه الحالة فضلا عن السجن والحبس، إلا أنّ الذي يشد أزرنا ويدفعنا إلى الصبر و التحمّل هو الثواب الذي يجزل بحسب المشقة في سبيل الحرية التي يؤسس لها خدمة الإيمان.

توجب خدمة الإيمان العمل الدؤوب لدفع الاستبداد، وخاصة ذلك الذي يموّه مقصده بأساليب الترغيب والترهيب، فتحبيبا لمشروع خدمة الإيمان يبشّر بحقوق الإنسان والعدالة ودولة القانون، من أهمّ تجلياته التفكير في مستقبل أسعد للإنسانية، ودفع التيئيس من مقاومته، الذي يزاوله سدنته في البيئة الشرقية.

خدمة الإيمان، تلزمنا بالتأسيس النفسي والمعرفي لتجاوز الاستبداد بجميع أشكاله المادية والتربوية والفكرية وحتى السياسية، خدمة الإيمان تعني تجذير فكر المقاومة السلمية لقوى الاستبداد والفساد في إطار من الوحدة القيمية، والتي من متطلباتها في اللحظة الراهنة الوقوف مع الوطن في محنته، كلّ في قلعة مرابطته، الوطن ينادي الجميع، فهل من مجيب؟

الوطن يحتاجنا جميعا، ليس فينا من ليس مهما للوطن، هذا هو منطق الإيمان بالله الذي استودع فينا القدرة على دفع الاستبداد بالإيمان، ومن متطلباته الإيمان بقدراتنا الفردية والجامعية، وتفعيلها في شعاب الحياة خدمة للمحتاجين إليها في كل الوطن، كل الوطن، كلّ الوطن.

كتب بواسطة :د. عمار جيدل / كاتب وباحث