يمر اليوم عام كامل على تنحي عيد العزيز بوتفليقة من رئاسة الجزائر بعد 20سنة من ممارسة الحكم، ممارسة حولت البرلمان من غرفة تسجيل إلى لجنة لمناصرة شخصه وغالبية الاجهزة الحزبية إلى لجان مساندة، و منظومة الإعلام إلى واجهات إعلامية تمارس الدعاية اغتنى الغالبية الساحقة لمدرائها بملايير الاشهار و تبييض الأموال المنهوبة.
“غيبوبة بوتفليقة” …الخبر الكاذب لتضليل الشعب الثائر
48ساعة قبل استقالته أو دفعه الاستقالة، بثت كل القنوات التلفزيونية الخاصة خبرا كاذبا بمصدر مجهول ، مفاده أن عبد العزيز بوتفليقة دخل في غيبوبة، وهو خبر كاذب لم يثر أي نقاش أو تساؤل، كما أن هذا الخبر الكاذب كان في واجهة غالبية الصحف في اليوم الموالي، خبر كاذب بمصدر مجهول، كان يدخل في حرب نفسية، الهدف منها دفع الشعب الجزائري الثائر لقبول أي شيء للمرور لما بعد بوتفليقة.
هذا الخبر الكاذب، صاحبته دعاية إعلامية عنوانها “الشعب يفوض الجيش”،،على طريقة مصر السبسي، و بعد إقالة أو استقالة بوتفليقة تم نشر العشرات من الأخبار الكاذبة بمصادر مجهولة و أهداف معلومة، وهو ذهاب بوتفليقة دون تغيير لمنظومة التعيين التي فرضت بوتفليقة في الحكم كما فرضت غيره قبل ذلك.
هذا التراكم في نشر الاخبار الكاذبة هو الذي يجعل الجزائر اليوم في تسييرها الاتصالي لجائحة كورونا امام أكبر تحدي وهو انهيار مصداقية الاجهزة الإعلامية الغارقة في الدعاية و الفساد و التي يمكن أن تنشر أو تبث اخبار مؤكدة و لا يصدقها احد، وهو ما يدعو التعجيل بتفكيك هذه المنظومة الإعلامية التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن القومى و النسيج الاجتماعي.
الأخبار الكاذبة لخدمة منظومة التعيين…
الأخبار الكاذبة و الدعاية و التضليل، كانت جزءا من مسار كان الهدف منه تمكين منظومة التعيين من فرض مرشحها في اقتراع 12ديسمبر 2019، وهو الاقتراع الذي دعا له قائد الجيش في خطاب له بمساعدة كل الاجهزة الحزبية التي ساندت بوتفليقة منذ أفريل 99بين مؤيد الاقتراع و مرشح له، و ساكت عنه، وهو ما تم بالرغم من أن غالبية الشعب بحسب الارقام الرسمية لم تنتخب و خرجت يوم الاقتراع و في اليوم الموالي الاقتراع و في اشهر أخرى لتعبر عن رفضها للرئيس المفروض بالتعيين.
الأخبار الكاذبة لا زالت منتشرة إلى اليوم و بأشكال مختلفة، بعضها تتم عبر وسائل الإعلام التقليدية و بعضها الآخر يتم نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، هدفها صناعة التضليل و الالهاء لتفادي أي نقاش فعلي حول حاضر و مستقبل الجزائر ، ومسؤولية مختلف الأطراف فيما نحن فيه.
‘الجزائر الجديدة’ بشبكات وممارسات بوتفليقة.
بعد عام من رحيل بوتفليقة قام النظام بالتضحية بجزء من وجوهه في السجون بسبب استمرار الحراك الشعبي بعد بوتفليقة و بعد فرض تبون في القصر ، لكن الاجهزة الحزبية التي ساندت بوتفليقة و بالرغم من التضحية بقياداتها التي حوكم البعض منها و تنتظر الأخرى برمجة محاكماتها لا زالت موجودة رغم ترهلها و احتضارها، و هي كانت جزء من اقتراع 12ديسمبر سواء شاركت أو اختارت الصمت، فعلي بن فليس الذي أسس حزبه و اخذ اعتماده في عهد بوتفليقة و كان مديرا لحملته ستة 99 و رئيس حكومته و مدير ديوانه، شارك كمرشح و انسحب بعد ذلك، كما أن بن قرينة الذي كان في حركة حماس التي ساندت بوتفليقة في ثلاث عهدات وهو الذي بنى حزبه الجديد على مبايعة بوتفليقة، شارك هو الآخر كمرشح، كما أن عزالدين ميهوبي شارك كمرشح باسم التجمع الوطني الديمقراطي وهو الذي بقي إلى آخر لحظة يدافع عن العهدة الخامسة لبوتفليقة و لقي في ترشحه مساندة من حزب الافالان الذي امن باستمرار بوتفليقة كإيمانه بتبون بعد ذلك، كما أن عبد العزيز بلعيد الذي حصل على اعتماد حزبه من قبل بوتفليقة و حصل على كوطة مهمة في البرلمان مقابل ذلك شارك و كان من اول المبايعين لنبون، وهي كلها مؤشرات بأن العهد الجديد الذي يبشر به تبون الذي كان أحد أهم الوزراء الذين عملوا في عهد بوتفليقة لسنوات عديدة هو استمرارية لجزء مهم من شبكات و ممارسات بوتفليقة، وهو أمر لا يثير أي استغراب لان بوتفليقة ذهب و بقيت منظومة التعيين، و هي المنظومة التي لا يمكن إلا أن تعيد إنتاج الفشل و الفساد و الاستبداد، و آخر هذه المؤشرات عدد المساجين السياسيين و معتقلي الرأي و استمرار التضييق على كل ممارسة سياسية لا تخضع للرقابة و التسيير الإداري للفعل السياسي، و استمرار منظومة الاعلام في ممارسة الدعاية و نشر الاخبار الكاذبة،وهو الوضع الذي يريد المجتمع تغييره من أجل بناء دولة المؤسسات و القانون، الدولة التي تبني المستقبل خارج منطق الولاء للأشخاص و الريع و الفساد و الاستبداد.
رضوان بوجمعة
الجزائر في 2افريل 2020