الوقت ليس للنقد السياسي بل للعمل الجماعي، هذا ما يقولونه


خاطبني أحدهم معاتبا، بل “آمرا” بالأحرى، أن أتوّقف عن “انتقاداتي العقيمة” لسياسات وتصرفات السلطة، والعمل، بدل من النقد المريح من وراء الشاشة، للمساهمة في رفع من معاناة مواطنينا جراء الجائحة التي تعصف بنا وبالخلق أجمع.
لا شك أن ما تفضل به المعاتِب، فيه الكثير من الوجاهة، ويرقى ليكون نصيحة راقية في زمن وباء الكورونا، لكن، كان الأمر يكون كذلك فعلا لو تعلق الأمر ببلد يعيش ظروف طبيعية، تتمثل في رابطة الثقة بين الحاكم والمحكوم، في ظل نظام شرعي يضمن لجميع المواطنين الحد الأدنى من الحقوق، وسلطة تتمتع بصدقية وكفاءة، تعزز الطمأنينة في نفوس الخلق، أمّا ونحن نتحدث عن عصابة متحكمة تستغل كل الظروف بل وحتى مأساة اشعب، لمواصلة استبدادها وتضليلها، فأعتبر أن هذه النصيحة خارج الزمن والمكان، ونوع من التمني الذي يغفل الواقع ويجري وراء السراب.

لو كنا في وضع يتصف بقدر من الشرعية والمصداقية والثقة، كان بالفعل يتوّجب فيه على الجميع وضع خلافاتهم السياسية والفكرية وغيرها جانبا لمواجهة العدو المشترك الذي يفتك بالجميع ولا يفرق بينهم، كما هو الحال في معظم البلدان التي تحترم شعوبها وخياراتهم ومصالحهم، أما ونحن نتحدث عن وضعنا الذي لا يخفى إلا على من ينتهج سياسة النعامة، حيث تتحكم عصابات، كل منها يحاول النيل من الآخر قبل أن ينال منه هو، وحيث المواطن فيها، آخر من يلتفت إليه أو يحظى بعنايتهم في الأيام العادية، ناهيك في زمن الجائحة، فمن الغفلة والسذاجة التعويل على هذه السلطة لتقوم بواجبها على أحسن وجه، وسبب ذلك، أولا عدم شرعيتها (أجل أكرره وهذا ليس من باب الترف بل لأنه الحجر الزاوية في مأساتنا) وعدم تمثيلها الحقيقي للشعب، بما يعني انها لن تهتم إلا بمراعاة مصلحتها، أي ديمومتها على حساب البلد والشعب؛ ثانيا لأنها فاسدة باعتراف ساستها الذين وضعوا الجزء المنهزم منهم وراء القضبان بتهمة الفساد والإفساد، بل ووصفهم بالعصابة، ثالثا لأنها فاشلة، كما تبيّنه وتؤكده كل تصرفاتها البائسة، والدليل على امتهانها الفشل واحترافه، أنها لم تقرب إليها إلا من توفرت فيه خصلة الفشل لضمان وفاءه وولاءه.

كل هذه العناصر تثبت أن هذه العصابة أعجز من أن تقدم الحل الناجع، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والدليل على عبثية التعويل عليها، أنها حتى عندما تقدم لها الشعب بهدنة صحية مراعاة للظرف العصيب، رغم إدراكه أنها ستستغل هذه الهدنة لمحاولة كسر هبة التحرر من قبضتها، حتى في ظل هذه الهدنة، لم تأخذ هي هدنة، فواصلت قهرها وإرهابها وتضليلها واعتقال العشرات من الناس من بيوتهم وأماكن عملهم، مستغلة جائحة كورونا التي ألزمت الناس بيوتهم.

خلاصة القول، فإن مواصلة انتقاد السلطة، وفشلها وفسادها، ليس تسجيلا لنقط سياسية خرقاء، الوضع أجل من أن يسمح بذلك، فضلا على أننا لسنا حزبا سياسيا يطمح إلى سلطة أو مراكز نفوذ ومقاعد برلمان، ولا الطمع في تقاسم قطع أرض أو تزويد حسابات بنكية للثراء من خزينة الشعب على حساب الشعب، فذلك من اختصاص واهتمام من امتهنوا هذه الحرفة اللئيمة، وكذلك لأننا قبل كل شيء حركة مقاومة سلمية تصبو إلى التغيير الجذري لمنظومة الحكم، وأخيرا اعتقادا راسخا منا أن هذه السلطة لا تحمل أي أمل في الإصلاح، مثلما برهنت عليه على مر عقود من المراوغات وقبر مبادرات الإصلاح الجادة واعتقال أصحابها ومطاردتهم او نفيهم أو حتى قتلهم. لذا يبقى واجب النقد قائما في ظل ما يقوم به المواطنون من مبادرات، رغم التضييق والمنع وقتل الهمم.

الفرق بيننا وبين من يعاتبنا على مواصلة الحديث عن منظومة الحكم ولا شرعيته، في زمن كورونا، انهم يركزون على آثار الداء، ونحن نركز على جوهره، وإذا اعتقد البعض أن لأولوية في تجميد النضال السياسي لمجابهة النازلة، فهم بذلك لا يرون سوى آثار المعضلة التي لن تحل بحلول ظرفية، بينما نحن نرى المعضلة بشموليتها، ومن ثم الحل في التصدي لجذور الأزمة.
رشيد زياني شريف