حتى هذه اللحظة، فإن وباء “كورونا” وتعامل الدّول والأنظمة وطبيعة استجاباتها للتحذيرات وطريقة تعاطيها مع بوادر انتشاره وتحوله إلى كارثة صحيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصادية، كشف أن الرّكون إلى سياسات “النيوليبراليّة” والإصرار عليها يقود العالم نحو أزمات جديدة ومتواصلة.
ولعل تردي قطاع الخدمات الصّحيّة الذي فضحه وباء كورونا وعدم توفر الأجهزة الطبيّة والعلاجيّة التي تنقذ حياة المرضى كانّ الحقيقة الأبرز التي فاقمت من حدّة الانتقادات الموجّهة إلى الحكومات والمؤسّسات الصّحية في العالم.
كان لجوء الأنظمة الحاكمة في العالم إلى خطاب الموت والتأكيد الجازم على فقد المئات والآلاف من سكان الدّول، أمرًا مفزعًا ومخيفًا يحمل ملامح قرار هذه الأنظمة بالتخلي عن حياة النّاس وتركهم في مواجهة الموت. لم يتوقّف هذا الخطاب عند محاولة تحويل الموت الجماعي إلى أمر واقع: سيموت كثيرون، ستفقدون أحباءكم، سيموت كبار السّن فقط….إلخ، بل تعداه إلى خطاب فاشي ضد كبار السّن والتّعامل مع حياتهم وأرواحهم وحقهم بالعيش بعنصريّة صريحة جدًا، وإنّ عليهم الموت لحماية الاقتصاد، كما صرّح بذلك “جوف دان باتريك” نائب حاكم ولاية تكساس الأمريكيّة، وهو الخطاب الذي لا يختلف عن خطاب رئيس وزراء بريطانيا وقبله رئيس وزراء إيطاليا، وهولندا والسّويد أيضًا!
قد يتمكن العالم من احتواء هذه الأزمة والتّعامل مع الوباء، لكنّه سيفقد الكثير، لأنّ للأزمة عواقب كبيرة ومرهقة على الصّعيد الاقتصادي والاجتماعي.
ربّما عالم ما بعد “كورونا” لن يكون كما كان قبله، كما يذهب وزير الخارجيّة الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وفي الوقت نفسه، سيترك تأثيراته المباشرة والصّريحة بما يتجاوز المتوقع.
العالم، الآن، كله، مصدوم، الحكومات والأفراد والمؤسّسات والأنظمة الصّحية، والكل يبحث عن ملاذ آمن من الوباء والعدوى والإصابة بالفيروس المرعب. وإذا كان ثمّة شيء تحقّق حتى الآن، وأفرزته أزمة وباء كورونا بشكل جلي، فهو الإقرار بأنّ “النيوليبراليّة” وسياساتها قد وصلت إلى النّهاية ولم يعد لديها ما تقدّمه سوى صورتها العنصرية الانحيازية المهيمنة والمتحكّمة في صناعة القرار السّياسي.
صحيفة الأمة الإلكترونية