أتذكر أنه في سنة 2008 كانت روسيا تعيش أزمة اقتصادية ناتجة عن تراجع أسعار المواد الأولية في الأسواق الدولية، لجأت الدولة إلى الأوليغارشية التي اغتنت من خزينة الدولة دون وجه حق لمواجهة التحديات الاقتصادية، حيث صرح الرئيس مدفيدف آنذاك مخاطبا هذه الفئة “بكل بساطة هؤلاء أصبحوا أثرياء في زمن قياسي، وعليهم الآن أن يدفعوا ديونهم تجاه الوطن “.
تلك أوليغارشيا المال تدفع ديونها في الأزمات الاقتصادية، ونحن عندنا أوليغارشيا السياسة تدفع ديونها في الأزمات السياسية، الأشخاص الذين لا يملكون أية خصائص سياسية لا من حيث الشكل ولا من حيث الموضوع، ولكن النظام جعلهم فاعلين سياسيين في إطار توزيع الريع، يصنع رصيدا سياسيا لمن لا يملكه ولا يمكنه أن يصنعه لنفسه، ثم يستدعيهم من جديد حينما يعيش أزمة سياسية ليدفعوا ديونهم ليس تجاه الوطن ولكن تجاه النظام.
الآن أصبح جليا أن النظام حاول اختراق الحراك فعلا من خلال مثل هؤلاء الشيوخ المصابون بالأمنيزيا السياسية، هم ومن يسير في فلكهم من الذين يعبدون بعض من صنع لهم تاريخ زائف، تاريخ يمثل كل رصيدهم.
هؤلاء الشيوخ يتناسون من كان جزءا من نظام حول الوطن على عظمته لمجرد كعكة، نعم لمجرد كعكة، والرئيس لمجرد سكينة تقسمها بين الأجانب، والوزراء ومادونهم من المسؤولين لملاعق وشوكات يأكل بها الأجانب حصتهم، ومقابل ماذا، مقابل فتات يلتصق بهم…. باعوا الوطن بأبخس الأثمان.
واليوم يريد النظام بيع الحراك، بيع الإنجاز الحضاري الوحيد للجزائر منذ ثورة أول نوفمبر، يستخدم الأوليغارشيا السياسية التي تقبل طبعا مقابل سيارة وسائق وراتب وإقامة في “المحروسة “.
حينما يصبح الخرف طبعا أصيلا في النظام، يتهم الحراك بأنه من أحضر الكورونا كما اتهموه أنه كان سيحضر الناتو والبرلمان الأوربي.
المقربون من الذين ساهموا في الحراك بالبيانات، عفوا بالموافقة على ذكر أسمائهم في تلك البيانات ويعتبرون أنفسهم شخصيات وطنية!!!
أقسم أن الشخصية الوطنية الوحيدة التي تستحق كل التقدير والاحترام هو المواطن البسيط الذي لا ينتمي لا لحزب ولا لحركة ولا لجمعية، ذلك الذي لا يملك أية حسابات سياسية يناضل فقط من أجل التغيير من أجل الوطن، ومادون ذلك مجرد نفايات سياسية للنظام يعيد رسكلتها كلما دعت الحاجة لذلك، على حد تعبير أحدهم.
لأول مرة أجد نفسي مجبرا على الاعتراف للنظام بأنه كان صادقا حينما وصفهم ب” الذين يقيمون في بروج عاجية ويدعون الثقافة….”، كان صادقا، نعم إنهم لكذلك، بوتفليقة قال ذات مرة لمدير ديوانه بن فليس ” كل واحد وسومتو ياسي علي “، نعم كل واحد وثمنه النظام يعرف جيدا ذلك.
الخطأ الاستراتيجي الوحيد الذي ارتكبه الحراك الشعبي في البداية هو رفعه صورا لبعض الأشخاص، يعرفهم النظام جيدا، يعرف بأنهم مجرد خردة، كل واحد وسومتو…. وأنهم فعلا أرادوا ركوب الحراك للحصول على التعيينات، وهم لا يملكون أي رصيد حقيقي يؤهلهم لذلك، كل رصيدهم زائف، النظام يعرفهم لأنهم صناعته ، ولسبب ذلك اعتبر بأن الحراك لم يكن بعد مؤهلا للامساك بزمام الأمور، لكن الحراك تعلم من دروسه، وأصبح يعرف جيدا التاريخ السياسي البغيض لمن يدعون الثقافة، لمن يعتبرون أنفسهم شخصيات وطنية.
يعرف الآن بأن كل من استوزر في عهد بوتفليقة أو صاحبه، هو جزء من النظام يجب أن يرحل، سنبني الجزائر الجديدة بأوجه جديدة كليا، فالقديم مجرد متربص بالحراك شأنه في ذلك شأن النظام.