قرَر كثير من الأحرار هدنة سياسية عند ظهور هذا الوباء (كورونا) الفتاك بعد تعليق مسيرات الحراك، وعزموا على صبَ كل جهودهم وتوحيد الطاقات لمواجهة هذه الجائحة القاتلة وتخفيف آثارها المدمرة.. وآثروا، انطلاقا من روح المسؤولية، تأجيل المطالب الشعبية المشروعة، إلى حين، أمام خطورة هذا التحدي الهائل الذي يهدد بانهيارات اجتماعية هائلة، وهزم منظومات صحية واجتماعية متطورة لا مجال لمقارنتها مع منظومتنا المهترئة ومستشفياتنا التي خربتها العصابة بعد عقود من سياسة النهب والفساد واللامبالاة.
ولكن الظهور الإعلامي الأخير للناطق باسم الحكومة، الذي حمَل فيه الحراك الشعبي المبارك، بهتانا وزورا، المسؤولية في نشر الوباء، جعل كثيرين يعيدون النظر في هذا القرار، وتساءلوا في استنكار: هل تعتبر السلطة، من جانبها، أمَ المعارك اليوم هي المعركة ضد هذه الجائحة؟ وهل يستطيع نظام العصب أن يجعل مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار؟ وهل هذا النظام الفاقد للمشروعية، ومن دون أي سند شعبي، يبالي بمصير هذا الشعب المغبون؟ ومن أخطر وأكثر دمارا وتهديدا لهذا الوطن: العصابة أم “كورونا”؟
تحمَل الحراك الشعبي مسؤوليته كاملة غير منقوصة، وقرر تعليق المسيرات، وصرف ناشطوه أكثر جهدهم ووقتهم في تخفيف المعاناة والعبء على المتضررين ومن انقطعت أعمالهم بسبب الإغلاق والحجر، ولم يغادروا الميدان، اجتماعيا، وتجدهم في حملات التطوع وشبكات توزيع المؤونة، خدمة لعموم الناس بعد الحجر على الحركة وقصر الحياة العامة على تنقلات محدودة. وحتى النقد للسياسات العامة التسلطية خففوا منه وتجنبوا منطق التحدي وانكبوا على تخفيف المعاناة ومواجهة أضرار ومخلفات الوباء بما تيسر لهم..
وعلى الرغم من كل هذا، لا تزال سهام السلطة موجهة نحو صدر الحراك، طعنا وتجريحا وبهتانا، مع أنهم لم يروا منه أذية أو إضرارا أو تشغيبا، ولكن ثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن عقدتهم الكبرى في الحراك، وليتهم انشغلوا بمواجهة ومكافحة وباء “كورونا”، بمثل ما صرفوا جهودهم وتركيزهم للتخلص من الحراك وتعليقه الدائم .
د. سليم بن خدة