نشرت كبرى الصّحف السويسريّة ” 24 ساعة ” هذه المقابلة مع السّكرتير السّابق بسفارة الجزائر في ليبيا يوم 27/12/1997.
المجازر التي يتعرّض لها المدنيّون تتضاعف غرب الجزائر العاصمة. و يجدر بنا التذكبر أن صمت السّلطات الجزائريّة يبعث على وضع أكثر من علامة استفهام حول هذا الوضع الخطير، فإنّ المجزرة وقعت في منطقة تابعة لسيطرة الجماعات المسلّحة الإسلاميّة.
محمّد العربي (ثلاثون عاما) ذهب الى لندن لاجئا عام 1995، و من خلال مقابلتين مع التّلفزيون القطري، إتّهم زيتوت الحكومة الجزائريّة – و خاصّة المخابرات السّريّة – بأنّها وراء معظم مجازر القرويّين و الأجانب و البحّارة السّبعة الإيطاليين، الذين وُجدوا مذبوحين عشيّة قمّة نابولي.
و ردّ قائلا أنّه ليس له أيّ علاقة مع أيّ جماعة من الجماعات الإسلاميّة، و أنّ كل ما يريده هو وضع حدّ لهذه الهمجيّة.
في أي ظروف و لماذا طلبت اللّجوء الى إنكلترة ؟
لقد عيّنت في مركز سكرتير أوّل في سفارة الجزائر بطرابلس ( ليبيا ) في نهاية عام 1991، ثمّ سكرتيرا ثانيا للسّفارة، و كان من المفروض أن أعود الى الجزائر عام 1996 و ذلك بانتظار تعييني في مركز سفير، و لكنّي رفضت أن أنتقل من موظّف في دولة يخدم مصالحها الى مرتزق (عميل) في خدمة نظام مسلّح. و قد وصلت الى أنكلترة في سرّيّة تامّة، و فعل مثلي ثلاثون دبلوماسيّا آخرين، فحصلت على اللّجوء السّياسي، و وجدت لي عملا كمدرّس في مدينة لندن.
و ما هي الأسباب التي دفعتكم الى التخلّي عن عملكم ؟
لم أكن قادرا على التحمّل أكثر من ذلك، فلم يعد باستطاعتي أن أمثّل مصالح النّظام، و تحديدا إثر مصالحة روما عام 1995 التي جمعت سبعة أحزاب سياسيّة و هي التي تمثّل المجتمع الجزائري. و كانت تسعى الى إيجاد حلّ للخروج من هذه الأزمة السّياسيّة. و كنت وقتها مقتنعا أنّ المخابرات السريّة الجزائريّة هي التي تحرّك الجماعات الإسلاميّة المسلّحة، بل و أكثر من ذلك فلقد كانت لها يد مباشرة في بعض الأعمال الإرهابيّة مثل مقتل البحّارة السّبعة الإيطاليين في Djen Djen جنجن و هو مرفأ في شرق الجزائر و ذلك في تموز 1994.
و ما هي الإثباتات التي لديكم على هذه الممارسات ؟
لقد فضح أمرها عضو (عميل) سابق في المخابرات السريّة الجزائريّة للمجلّة البريطانيّة ” The Observer ” كان قد طلب اللّجوء السّياسيّ الى بريطانيا، و لأسباب جدّ أمنيّة فهو لا يستطيع الإفصاح عن هوّيته. إنّه مدوّن تحت إسمين مستعارين (دكتور هارون و جوزف).
إنّ من مصلحة السّلطة الجزائريّة زرع الرّعب في النّفوس لتستمرّ سيطرتها لأطول مدّة ممكنة على الحكم. و هي في نفس الوقت تزعزع الثّقة بالحركات الإسلاميّة.
فالأعمال الهمجيّة (البربريّة) كثيرا ما كانت ترتكب على بعد خطوات من الثّكنات العسكريّة دون أن تحرّك الدّولة أيّ ساكن و دون أن يتدخّل أحد لإيقافها. كمثل المجزرة التي حصلت على بعد 2 كلم من ثكنة بني مسّوس أكبر ثكنة عسكريّة في الجزائر.
زد على ذلك أنّ الأرقام الرّسميّة لضحايا المجازر ليست صحيحة، بل هي أقلّ بكثير من الارقام الأصليّة، و أنّ المجازر تحصل كلّ يوم و لكّننا لا نعرف إلاّ القليل منها.
من هم في رأيك المسؤولون عن هذه الأعمال البربريّة ؟
إنّهم القوّات الخاصّة المؤّلفة من أربعين الى خمسين ألف رجل، و الكوماندوس المسمّاة بالنينجا، و هم العناصر الأكثر إجراما في الجيش و الشّرطة، و لقد تمّ تدريبهم في فرنسا و ألمانيا و أمريكا، و هناك أيضا عشرون ألف عنصر يؤلّفون ميليشيا تجد بينهم من المجاهدين القدامى و من أهالي الضّحايا و بعض الجنود المرتزقة. و هذه الميليشيا تطبّق قانونها الخاص في المناطق التي تسيطر عليها.
– طالما أنّ سيطرة الرّعب يخدم السّلطة، فما هي مسؤولية الجماعات الإسلاميّة ؟
إنّ الجماعات الإسلاميّة المسلّحة و بأغلبية 80% تحرّكهم السّلطة كي ترمي على عاتقهم مسؤوليّة الذي يحدث في الجزائر و ذلك لتكسب عطف الدّول الخارجيّة. و أنا شخصيّا لست على خلاف مع الجماعات الإسلاميّة، و لكنّي لا أحبّ أن يتسلّموا السّلطة. مع العلم أنّ الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ (FIS) ربحت بطريقة ديموقراطيّة في انتخابات عام 1991، و كان بينهم من ينادي بالتّغيير و خاصة في صفوف الشّباب. و لكنّ السّلطة الجزائريّة لم يكن يناسبها هذا الوضع الجديد لأنّها و بكلّ تأكيد لا تريد التّغيير. و من هنا كان دافعها الأوّل لخلق جوّ الرّعب الذي يدعم استمرارها في الحكم.
كانت الدّولة تحرص دائما على ألاّ يكون عدد الضّحايا قليلا لا يتعدّى بضع عشرات، وألاّ يستثنوا النّساء و الأطفال في هذه المجازر لأنّها تظهر الإسلاميّين كوحوش و بذلك يستدرّون عطف الخارج و خاصة في الغرب. أنا لا أدافع عن الإسلاميّين المسلّحين ، بل إنّني أستنكر العنف بجميع مظاهره و مهما كان مصدر..
ختاما، هل القائد الإسلاميّ اللاّجئ في سويسرا أحمد زاوي هو إرهابي ؟
لقد التقيته عدّة مرّات خلال عطلتي هذا الصيف في بروكسل، و عندما تتكلّم معه تعرف لأيّ مدى تصوّر لنا الدّعاية و الصّحف المنافسين السياسيّين، و خاصة الإسلاميّين، بشكل شيطاني. و أعتقد انّ الزّاوي ينتمي الى مجموعة إسلاميّة تُعرف باعتدالها و بالمستوى الثّقافي لعناصرها، و لا أظنّ أنّه يمكن أن تكون له علاقة بأيّ مجموعة إرهابية.
علينا أن نتوخّى الحذر من الإعلام الخاطئ الذي تمارسه المخابرات السريّة و الشّرطة التي هي نفسها تعطي المعلومات للجهات الأجنبيّة من فرنسيّة و بلجيكيّة. ففي عام 1995 و خلال مروري بفرنسا أحسست بمدى الكره الذي يكنّونه للعرب ففضّلت اللّجوء الى بريطانيا… و بعد ستّ سنوات أقول أنّ الجزائر هي الضحيّة. وإذا كانت حياتي و حياة عائلتي هي ثمن للحريّة فهذا شرف لي، و أنا أجد أنّه من واجبي و مسؤوليتي أن أقول الحقيقة.
إنّ الشّعب الجزائريّ في خطر، و إنّ جلّ ما يريده الشّعب هو الابتعاد عن النّظام العسكري، و علينا أن نستنكر الشرّ مهما كان مصدره.
أجرى المقابلة أوليفيه غريفا.
جريدة الأمان – العدد 290 – 16/01/1998
تعريب سناء حنيني