جريدة الشاهد الدولي 14.12.1998
كتب محمد العربي زيتوت
خيبة أمل أخرى أصيب بها بعض المتتبعين ” للحالة الجزائرية “. فلقد ظن الكثيرون أن الجنرال الرئيس اليمين زروال سيغتنم فرصة الخطاب التقليدي الذي يلقيه سنويا، ليلة الفاتح من نوفمبر، بمناسبة حلول عيد الثورة الجزائرية، لكي يتخذ خطوات يكون من شأنها التخفيف و لو قليلا، من مأساة الشعب الجزائري، التي ما انفكت تتعمق كل يوم، و على كل المستويات.
ظن المتفائلين إستند الى أنّ زروال، لم يعد يخشى ما يخسره بعد أن اضطره رفاقه الجنرالات الى الرحيل مبكرا عن السلطة، فظنوا أنه سيتخذ قرارت لتجسيد الوعود التي ظل يبشر بها منذ أن جبىء به على رأس السلطة، في بداية عام 1994، و هي ” عودة السلم و الأمن للشعب، و الاستقرار و الدولة للمجتمع “، الذين دمرتهم الحرب القذرة المستشرية منذ سبع سنوات.
كان تفاؤل المتفائلين قد كبر، عندما اضطر الجنرال محمد بتشين، و هو أقرب المقربين من الرئيس الى أن يرحل هو الآخر، تحت ضغط نفس الجنرالات، و بحملة إعلامية غير مسبوقة، على جنرال في السلطة، كان يعد حتى وقت قريب الممسك الفعلي برأسها…و أقوى رجالاتها على الإطلاق.
نظرية المتفائلين كانت تضيف أن الجنرال زروال، و قد تحرّر من قيود الرئاسة، و من ضغوط الصداقة، سيحرج خصومه من الجنرالات الآخرين، و يظهرهم على أنهم، ليسوا فقط، لم يتركوا له أي مجال للحركة و التصرف، كرئيس للدولة، بل و عملوا كل ما هو ممكن ليفشلوا خططه و مشاريعه، الرامية إلى ” إستعادة الأمن و السلم و الرفاهية ” على حدّ تكرار الدعاية الرسمية… ألا وإنّ الأمر كذلك، سيقوم زروال بكل ما من شأنه أن يفضح هؤلاء، و يظهرهم على أنهم هم أعداء السلم و الإستقرار و دعاة الحل بالحرب الشاملة… و لم يفعل زروال أي من ذلك. و جاء خطابه كالعادة ضعيفا في لغته، مكرّرا في مضمونه.
و كان رأيي دائما أنه لا ” الرئيس ” زروال، الذي أرغم على الرحيل المبكّر، و لا من قبله ” الرئيس ” الشاذلي، الذي أطيح به في بداية عام 1992، و لا ” الرئيس ” محمد بوضياف، الذي اغتيل أمام كاميرات التلفزيون، في نفس العام الذي تولّى فيه السلطة… لا هؤلاء جميعا، و لا الذين سيأتون من بعدهم على رأس السلطة في الجزائر، سيملكون من أمر السلطة شيئا.
و ليست العلة في أن اليمين زروال، كان على قدر كبير من ضعف الشخصية، و لا لأن الشاذلي بن جديد، كان متميزا بضعف المستوى الثقافي و المثالية في نفس الوقت، و لا لأنّ محمد بوضياف كان يتدفّق ثورية و أخلاقية، و هو ابن السبعين.
ليست هذه الصفات، محمودة كانت أو مذمومة هي التي تسبّبت في نزع الملك من هؤلاء، و لكن لأن هؤلاء جميعا جاءت بهم مدافع الجنرالات أو ” العقداء ” إلى هرم السلطة.
و بالرغم من أن الشعب باركهم – أو كان على وشك أن يفعل – في مهازل إنتخابية، فإن ذلك لم يشفع لهم، لأنّ الذين توّجوهم يوما كان يحق لهم – بكل بساطة – أن يسقطوهم، و هاهم قد فعلوا في كل مرة.
إذا لم تحدث معجزة من الآن حتى شهر أبريل / نيسان القادم، الذي تقرّرت فيه الرئاسيات، فإنّ الرئيس المتوّج سيختاره – قبل ذلك – كبار الجنرالات و سيؤمّنون انتخابه.
و سيبقى – كما جرت العادة – دمية في أيديهم، يحكمون باسمه، و يعبثون في حكمه، و ينزعون عنه الحكم متى شاؤوا.
ديبلوماسي جزائري سابق.