تمر اليوم 21 سنة على فرض عبد العزيز بوتفليقة في قصر المرادية، بوتفليقة الذي كان في مخابر السلطة وصالوناتها منذ الاستقلال، وشارك في فرض بن بلة في السلطة في 1962، كما كان أحد مهندسي ومنفذي الانقلاب عليه وأحد الأعضاء النافذين في مجلس الثورة بعد استيلاء بومدين على السلطة، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لهذا النظام الذي قام على الغلق والعنف والإقصاء والكراهية.
اقتراع 15 أفريل 1999، سيحفظه التاريخ، لأنه عرى السلطة التي كان على رأسها الجنرال اليمين زروال الذي أعلن عن استقالته في 16 سبتمبر 1998 بعد اتساع العنف والإرهاب ضد المدنيين بمجازر جماعية عرفتها الرمكة بغليزان والرايس وسيدي يوسف وبن طلحة بالعاصمة، وبعد اغتيال الفنان معطوب الوناس في 25 جوان 1998، وانتقال صراعات العصب إلى صفحات الجرائد المقربة من اللواء توفيق مدين وخالد نزار ومحمد تواتي وكل مهندسي انقلاب جانفي 1992، وجرائد أخرى تدافع عن الجنرال زروال وذراعه الأيمن محمد بتشين، وكل هذا المسلسل الذي عرفه صيف 1997 وصيف 1998 كان كافيا لتعرية الاعلام كذلك، لانه استخدم كدعامة دعاية ودعاية مضادة بين مختلف العصب.
بوتفليقة مرشح إجماع العصب لإنقاذ النظام وتدمير الدولة…
عودة بوتفليقة للظهور الإعلامي استعدادا لتوليه كرسي المرادية كانت من القاعة الوردية لفندق الأوراسي في فيفري 1999، القاعة كانت مكتظة بكل الوجوه المعروفة بتطبيلها وولائها للحكم، وكان في استقبال هؤلاء في بهو القاعة علي بن فليس الذي أُعلن عن تعيينه مديرا لحملته بأوامر من الجنرال العربي بلخير، مهندس ترشيح بوتفليقة الذي باع هذا الترشيح لتوفيق مدين وجنرالات النظام بمن فيهم وزير الدفاع الأسبق خالد نزار الذي كان مترددا في بداية الأمر قبل أن يرضخ ويلتحق بالركب.
العملية كان هدفها فرض رئيس مثقل بملفات الفساد ويعرف تسيير توازنات العصب، ومتحدث جيد له شبكات في الخارج، من أجل إنقاذ نظام فاقد للشرعية ولا يملك أية قاعدة اجتماعية ومهزوز دوليا بسبب جرائم العنف وخروقات حقوق الانسان والانهيار الاقتصادي والتبعية للمؤسسات الدولية النقدية.
أتذكر ذلك اليوم جيدا، كنت صحفيا في جريدة “اليوم” التي انطلقت في الصدور نهاية جانفي 1999.. الأجواء التي كانت في القاعة زادت في قناعتي بأن بوتفليقة هو مرشح العسكر، ورغم كل ذلك كان السؤال الذي يسكنني هو: هل سيقبل الجنرال زروال المشاركة في فرض بوتفليقة من أجل إنقاذ النظام والاستمرار في تدمير الدولة؟ وهل سيخضع لإرادة توفيق مدين الذي يقول أنه أحد ضحاياه؟ أم سيخرج من الباب الواسع ويعمل على الوفاء بوعوده في تنظيم انتخابات مفتوحة، خاصة وأنه حرص على بعث ضمانات خاصة لكل من أحمد طالب الابراهيمي وحسين آيت أحمد ومولود حمروش بأن الانتخابات ستكون نظيفة ونزيهة.
شبكات العربي بلخير وتوفيق مدين تؤلف بين قلوب وبطون الإسلاميين والعلمانيين….
سعيد سعدي وبعض الجمعيات وكل الصحف التي دعمت خالد نزار ومحمد تواتي وجبار مهنة وانقلاب جانفي 92 وجزء كبير من الشبكات التي دعمت اليمين زروال، بدأت تعطي إشارات تأييد عبد العزيز بوتفليقة، سعيد سعدي وفي عملية توزيع أدوار كثف الأحاديث المنتقدة لمنافسي بوتفليقة من آيت أحمد وطالب وحمروش، قبل أن يرتمي في أحضان بوتفليقة مباشرة بعد الانتخابات، وبصفه بالصديق، وقد تنقل معه حتى إلى سوريا من أجل الترحم على فقيد البعث السياسي في الشام حافظ الأسد، ليشارك بحزبه في أول حكومة بكل من عمارة بن يونس وخليدة مسعودي…
أول من بدأ يتحرك من أجل تجنيد الإسلاميين لمبايعة عبد العزيز بوتفليقة، عبد العزيز بلخادم الذي كان مقربا من كل الإسلاميين، وكان أحد رجالات العربي بلخير، وكان ينشط في إطار مجموعة السلم والمصالحة، وقد كنت شاهدا على بداية اجتماع في بيته بالمرادية بعد إجراء مقابلة صحفية معه، اجتماع حضرته الكثير من الوجوه التي كانت مع عبد الله جاب الله يتقدمهم لحبيب آدمي وعبد الوهاب دربال وغيرهم الكثير، كما لعب دورا كبيرا في الحصول على تأييد بعض وجوه الفيس كعبد القادر بوخمخم والهاشمي سحنوني وبعض وجوه الإسلاميين المسلحين من مدني مزراق وغيره بالتنسيق مع الجنرال إسماعيل العماري..
اللغز الذي بقي لآخر لحظة، هو موقف حركة محفوظ نحناح، خاصة وأن نحناح رفض ملف ترشحه بحجة عدم مشاركته في ثورة التحرير كما قيل رسميا، رغم أنه ترشح سابقا لانتخابات الرئاسة التي رسمت بقاء زروال في قصر المرادية..
شكلت حركة نحناح فريقا من المحامين يرأسه مصطفى بوشاشي رفع دعوى مستعجلة، وفي الوقت ذاته تحرك الراحل امحمد يزيد في محاولة منه للدفاع عن نحناح بغية استمالته لإعلان تأييد مولود حمروش، وقد أعلن امحمد يزيد في حوار أعقب إقصاء نحناح أجراه معنا، أن مهندسي ترشيح بوتفليقة هم من يقف وراء اقصاء نحناح، وعلى هامش هذا الحوار أعطاني معلومة قال وقتها إنها غير قابلة للنشر، بأن حركة نحناح ستعلن تأييدها لمولود حمروش، مؤكدا لي أن ذلك تم في مأدبة عشاء نظمها هو وحضرها مولود حمروش ومحفوظ نحناح..
امحمد يزيد كانت تربطني به علاقات جيدة، ولذلك لم أجد حرجا في مناقشته، وقد قلت له إنني متيقن من أن حزب نحناح سيؤيد بوتفليقة لأن بوتفليقة يحظى بتأييد واسع من كل شبكات توفيق مدين، وبأن نحناح لا يمكن أن يتمرد على جنرالات جانفي 92 لأنه صفق لكل ما فعلوه، وله وزراء ونواب في المجلس الانتقالي تورطوا مع الأجهزة في ملفات فساد.
في نهاية ذلك الأسبوع، وبعد اجتماع لمجلس الشوري لحركة حمس، يخرج محفوظ نحناح في ندوة صحفية بفندق السفير، ليقول إن حركته يأتيها الخطاب من كل مكان، وأن من بين كل الفرسان الذين خطبوا الحركة، قرر أن يزوج الحركة لمن وصفه “المجاهد الأكبر والدبلوماسي المحنك عبد العزيز بوتفليقة”، ليكون إعلان نحناح، بداية لتشكيل حكومات فيها وزراء من كل شبكات النظام ألفت بين قلوب وبطون الإسلاميين والعلمانيين.
يوم 14 أفريل… انسحاب الستة والتحاق زروال بمرشح الجنرالات
مع بداية انتخابات العسكر في الثكنات وصلت المترشحين الستة المنافسين لبوتفليقة أخبار مؤكدة وموثقة تفيد بأن تعليمات أعطيت للانتخاب على بوتفليقة، وهو ما جعل حسين آيت أحمد يطالب بمقابلة مستعجلة مع اليمين زروال، وهو ما تم رفصه بحجة أن برنامج الرئيس لا يسمح له بذلك، وفهم الستة أن زروال غير قادر على الوفاء بوعوده بتنظيم انتخابات مفتوحة، وهنا فهم آيت أحمد أن الانسحاب من المهزلة الانتخابية وترك مرشح العسكر لوحده هو آخر ما يمكن القيام به، وقبل أن يتخذ هذا القرار يصاب حسين آيت أحمد بوعكة صحية كادت أن تودي بحياته.
يوم 14 أفريل، يخرج المترشحون الستة من مقر حزب آيت أحمد، بيانا مشتركا يعلنون فيه انسحابهم من السباق بعدما تبين أن الاقتراع مغلق وبأن العسكر لهم مرشح يسمى عبد العزيز بوتفليقة.
الجنرال زروال الذي رفص استقبال حسين آيت أحمد سابقا، كان له الوقت ليخرج ليلة الاقتراع بخطاب موجه للأمة، ويندد بانسحاب الستة ويؤكد أن الانتخابات ستتم وستكون حرة ونزيهة، وهو ما وضعه في نفس خندق توفيق مدين والعربي بلخير وخالد نزار، فزروال اختار مع زملائه العسكر إنقاذ النظام وتعريض الدولة لمخاطر التدمير والغرق في الفساد، ولم يخرج بوتفليقة من السلطة إلا بعد انتفاضة الشعب في 22 فيفري 2019، بعد 20 سنة من منظومة حكم لازالت تعين الرؤساء وأمة لازالت مصرة على انقاذ الدولة من فيروس الرداءة والفساد والاستبداد، فيروس آثاره أخطر من فيروس كورونا، لأنه يهدد وجود الدولة ككيان سياسي وقانوني.
رضوان بوجمعة
الجزائر في 15 أفريل 2020