أزمة الشرعية في الجزائر : الفساد السياسي وأثره على الأمن القومى الجزائري منصوري رضوان


.
هناك توافق واسع يقول بأن لا استقرار لأي نظام أو سلطة من دون توافر عنصر الشرعية، فمن دون توافرها يبقى النظام وسلطته غير مطمئنين وغير قادرين على الانفتاح على المجتمع وعلى إشراكه في العملية السياسية، ناهيك عن استخدام السلطة لوسائل الإكراه المادية والمعنوية اتجاه مختلف القوى السياسية والاجتماعية، من أجل الحفاظ على الحكم وديمومته بما يخدم مصالح وامتيازات القابضين على السلطة ، وقد تبلغ أزمة الشرعية ذروتها عندما يرفض الناس تقبل المؤسسات الرسمية، أو السياسات التي يضعونها، لأن النظام الحاكم يكون شرعياً عند الحد الذي يشعر فيه مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة، ويذهب “موريس ديفرجيه” ( M. DUVERGER ) إلى القول أن الحكومة التي تمثل رأي الشعب تتمتع بصفة الشرعية، من حيث أصولها وجذورها وهيكلها وتركيبها، وكل نظام أوحكومة تكون عدا هذا فهي غير شرعية، والشرعية تكمن حسب “ليبست” (LIPSET) في قدرة النظام السياسي على توليد وتدعيم الاعتقاد بأن المؤسسات السياسية القائمة هي الأكثر ملائمة لذلك المجتمع .
لذلك مثلت مسألة الشرعية مشكلة الحكم المركزية في النظام السياسي الجزائري منذ الاستقلال، وعرفت مسألة تولي السلطة وكيفية انتقالها أهمية كبيرة، نظرا للظروف الغامضة والصعبة المرتبطة بعلاقة #الجيش بالسلطة، فأزمة الشرعية هي أم الأزمات، وأنها تمثل مفصلا رئيسيا في الإشكالية الجزائرية التي تلحق بالمؤسسات السياسية، غير أنها تبلغ ذروتها عندما يرفض الشعب باعتباره مصدرا لكل السلطات تقبل المؤسسات الرسمية، وان ضعف العلاقة بين المجتمع ونظامه السياسي، يترتب عنه ممارسة السلطة للعنف والقوة من أجل ضمان استمرارها في الحكم، وهو الصراع القائم على السلطة منذ الاستقلال وعدم وجود تداول عليها طوال هذه الفترة.
فغياب عنصر الشرعية الحقيقية للنظام السياسي الجزائري يؤدي إلى غياب الاستقرار السياسي ويفسر الطابع التسلطي للسلطة الحاكمة فيه، فان الحالة المثلى للاستقرار السياسي تتحقق حينما يكون النظام الحاكم حائزا على درجة عالية من الشرعية والفعالية.
لذلك لجأت السلطة غداة الاستقلال والى يومنا هذا إلى الاعتماد على مبدأ الشرعية الثورية – التاريخية ويتضح ذلك في دستور 1973 و 1976 حيث تم تحديد أساس تولي السلطة حسب مقتضى مبادئ الحزب الواحد الذي اعتمد كمبدأ دستوري .
كما لعب #الجيش دورا حاسما في السنوات الأولى من الاستقلال لغياب الركائز التنظيمية للدولة الحديثة، وبذلك فقد كان هو المحدد والموجه لمسار الأحداث في البلاد، الأمر الذي أدى إلى ارتباط النظام السياسي بالجانب العسكري فيه خاصة إذا ما تعلق ذلك بالرئاسة ومسؤولية الحكم والسلطة، والتداخل في العلاقة بين الشرعية الثورية والمؤسسة العسكرية لها ما يبررها للترابط الكبير الذي كان بين حزب جبهة التحرير الوطني والجيش وكلاهما وسيلتان من وسائل السلطة من أجل تقوية النظام وتعزيزه واستمراره، والإصلاحات التي جاءت بعد أحداث 5 أكتوبر 1988، لم تكن أبدا في المستوى الذي كان المجتمع يطالب به، وهكذا استمرت الأزمة واستمرت الشرعية الثورية بعيدا عن شرعية الإرادة الشعبية ورغم المحاولات لاكتساب الشرعية في ظل التعددية التي افرزها دستور 1989، جاءت أزمة 1992 لتشكل هزة قوية تصدعت من جرائها الدولة بأكملها وتعرضت البلاد إلى العديد من المخاطر أدت إلى تدهور الأوضاع في جميع المجالات، إضافة إلى الفراغ الدستوري والمؤسساتي.
وبعد أن عرف الوضع السياسي والأمني تحسنا نسبيا، أدرك النظام القائم خطورة الشرخ الكبير الذي أحدثته الأزمة بين النظام والمجتمع، فأصبح من الضروري السعي لتأسيس عقد اجتماعي جديد بين أركان هذا النظام وتشكيلات المجتمع المختلفة، باحثا عن الشرعية الشعبية، واعتمد في ذلك وسائل عدة، من انتخابات رئاسية وتشريعية، إلى استفتاءات للوئام والمصالحة .
ورغم ذلك فان المحاولات التي اتبعتها السلطة من أجل كسب الشرعية الشعبية بقيت دون المستوى، وعجزت بذلك عن مسايرة المطالب المجتمعية الداعية إلى احترام الإرادة الشعبية، وظلت مسألة الشرعية قائمة خاصة في ظل تراجع نسبة المشاركة السياسية التي عرفتها الاستحقاقات الأخيرة.
ولعل أزمة الشرعية في الجزائر، لم تؤدِ فقط إلى انتشار الفساد، بل ساعدت في تشكيل بيئة الفساد ذاتها، والنظام الجزائري كان دائما مدعوماً من طرف #الجيش، بعيدا عن المشاركة الشعبية وغير خاضع للرقابة فهو نظام لم يستمد مشروعيته من رضى الشعب، والسلطة التسلطية استمدت مشروعيتها منذ الاستقلال عن طريق #القوة ، باعتبارها المحتكرة للثروة والموزعة لها، ولكونها تملك أجهزة القمع، فإنها ظلت بعيدة عن المحكومين، تسيطر عليها المصالح الفئوية الضيقة، هذا ما يوضح العلاقة المباشرة بين أزمة مشروعية السلطة، ونمو الفساد السياسي، وانتشاره في الجزائر، لأن الحكم التسلطي في ظل غياب دولة الحق والقانون وافتقار الحياة السياسية والثقافية، ستؤدي إلى العجز عن وضع حد لفساد النخبة، وفساد الإدارة، باعتباره أنه حكم غير شرعي ، يوظف الفساد للحفاظ على استقراره .
وان الفشل في تحقيق الشرعية اللازمة لاستمرار النظام يضعه ضمن أهم المطالب المجتمعية الرامية إلى التغير الجذري للنظام والسلطة، والمطالبة بقيادات سياسية شرعية وفاعلة قادرة على تخطي الأزمة والوصول بالمجتمع إلى الديمقراطية، خاصة أن الشرعية التاريخية-الثورية التي تستمد قوتها الرمزية من التاريخ النضالي، وقوتها الفعلية من الجيش الوطني الشعبي سوف تعرف تآكلا كبيرا مستقبلا يؤدي إلى اختفائها، نظرا لاستهلاكها المفرط وفشلها في تحقيق الأهداف الوطنية، حيث أصبح المجتمع الجزائري وبعد خمسين سنة من الاستقلال مجتمعا شبابيا لم تعد ترضيه الشعارات الثورية ولا المرجعيات التاريخية، وقد أظهرت ” ثورات ” الدول العربية أشكالا دامية لحجم القطيعة الحاصل بين المجتمعات والنظم القائمة على هذه الشرعية، لذلك يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، ناجي سفير ، الشرعية الثورية عبارة عن فكرة تحظى بجاذبية أقل في المجتمع الجزائري وعليها أن تفسح المجال أمام نموذج الشرعية الوحيدة الحديثة، وهي الشرعية الديمقراطية الحقيقية وليس الشكلية فقط، والتي يتعرف فيها المجتمع برمته على نفسه، وبالأخص فئة الشباب.
لذلك فان الشرعية الثورية فقد فقدت بريقها، بعد خمسين سنة من الاستقلال وبالتزامن مع الوضع الإقليمي الذي يشهد حالة تحول.
ويقول الدكتور محمد أرزقي فراد “من دواعي الحسرة والوجع، أن يتحول مصطلح “الشرعية الثورية”، لعقود طويلة، إلى أداة لقمع بعض رموز الشرعية الثورية، ولتكريس نظام سياسي شمولي، عجز عن تحقيق التنمية الشاملة” .