حتى بمقاييس التاريخ الرسمي فإن تحرير قطاع السينما وجعله تجاريا سيكون مفيدا.
لنأخذ مثلا فيلم “ابن باديس”، لقد نجح في شيء واحد وهو إقناعنا بمهارة مهندسي الديكور وجودة كادرات التصوير.
أما ما عدا ذلك فقصة باهتة وأداء باهت وسيرة لم ترتق حتى إلى السيرة المدرسية لرجل كان له وقع كبير جدا في تاريخنا الحديث.
لقد تم الفيلم برعاية رسمية، وبميزانية رسمية وبإشراف كامل من ألفه إلى يائه والنتيجة كما يمكن لأي مشاهد أن يراها، هي عمل لا يعجب محبي ولا مبغضي الإمام ابن باديس رحمة الله عليه.
مالذي كان سيحدث لو كان الفيلم تجاريا بالكامل في بيئة سينمائية حرة تماما، لقد كان المخرج والمؤلف والموزع سيضعان في اعتبارهما أنهما بحاجة لتسويق الفيلم وبالتالي فإنهما سيلتزمان دون توصية بالنص الرسمي عن سيرة ابن باديس دون أي إرغام من الحكومة، لا لشيء سوى لضمان قبول الجمهور للفيلم والإقبال عليه.
لكنهما بالمقابل سيعمدان إلى إنتاج بميزانية أعلى لضمان اجتذاب الجمهور إلى فيلم يقص قصة شبه محفوظة لدى الجميع، وهذا ما كان سيتيح لنا فيلما أفضل على كل المستويات.
ثم إن ذات الرغبة ستجعل شركة الإنتاج مدفوعة لعدم القبول بغير القصة والنص والتصوير والديكور والإخراج والتوزيع الأفضل .. ستبحث الشركة المنتجة عن أفضل الموجود لا لشيء سوى لتقديم وجبة سينمائية قادرة على جرّ الجمهور إلى صالات العرض.
في المحصّلة، سنحظى بفيلم أفضل دون أن تتكلّف الدولة دينارا واحدا ولن نكون مرغمين على مشاهدة نصف تمثيل ونصف هراء.
مثلما علمتنا كورونا ان رقمنة الإدارة أفضل حل لمشاكلنا العالقة ماليا ومؤسساتيا واجتماعيا فإن الفيلم الذي تم عرضه بمناسبتها سيعلمنا من جديد ما يعرفه الجميع خارج هذه الحكومة .. تحرير السينما وإيجاد بنية تحتية سينمائية سيتيح للبلد فرصة للحصول على منتوج أفضل دون الاضطرار لصرف أي دينار من ميزانية الحكومة.
وبالنسبة للخائفين على تقاليد المجتمع وعاداته وروايته الرسمية فإن الواقع يقول إن أي منتِج يريد أن يربح ماليا فإنه مضطر لعدم مصادمة المجتمع.. ذلك أنه يبحث عن صالات ممتلئة بالجماهير.. والجماهير لن تُقبِل حتما على منتوج يصادم قناعاتها العامة وثقافتها المكرّسة.
ابوطالب شيبوب