صراعات أجنحة الحكم والمقايضة بالملفات الحساسة تُهدَدان الأمن القومي للبلاد



من صفات النفاق الفجور عند الخصومة، وقد يذهب الأمر ببعض المغضوب إليهم في سياق صراع الأجنحة إلى خيانة الوطن. فغريب تصرف كبار المسؤولين عندنا منذ عقود، وهروبهم إلى الخارج، وخاصة اللجوء إلى فرنسا، مصطحبي معهم ملفات مهمة تخص أمن الوطن وأسراره الحساسة.

ويبدو أنها أصبحت خيارا ثابتا، فبعد كل جولة من التطاحن الداخلي، تسمع أخبارا عن فرار بعض أصحاب النفوذ والمناصب الحساسة إلى إحدى دول أوروبا، هروبا من التحقيق والسجن وتصفية الحسابات، ولكن الأخطر أن يُهرَب معه وثائق وملفات سرية مرتبطة بالأمن القومي للبلد، ربما ليستكمل صراع الأجنحة من الخارج أو يبتز به ويقايض أقرانه في الداخل..وهذا دليل إفلاس السلطة الفعلية الحاكمة، فهل يُعقل أن تصل صراعات دوائر الحكم إلى المتاجرة والابتزاز بقضايا الأمن القومي للبلاد؟

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه ليس ثمة طرف هدَد الأمن القومي للبلاد، في كل حقب ما بعد الاستقلال، أكثر ممَن تقلدوا مناصب حساسة في الحكم، في خلال السنوات الأخيرة، وفروا هاربين من نيران تصفية الحسابات وتقلب موازين القوى. وصارت صراعات أجنحة الحكم المتعاركة خطرا على الأمن القومي بما لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر المستقلة.
وأنا أتابع تطورات الصراع الحاليَ أعلى هرم السلطة، تذكرت الوالد رحمه الله (الرئيس المدني بن يوسف بن خدة) وموقفه، ففي أحد الأيام، كنا في زيارة إلى في فرنسا وقد دار نقاش ساخن مع أحد الفرنسيين، وكان صيدليا من مدينة مرسيلية، واستغربت وقتها وأنا أسمعه يدافع عن بومدين في أثناء هذا الحوار.
وبعد نهاية اللقاء وانصرافنا، خاطبني الوالد، رحمه الله، قائلا: لا أحبذ انتقاد السلطة الجزائرية وأنا في فرنسا، وخاصة بحضور الفرنسيين، ولو تغلق الأمر ببومدين (وكان خصما لدودا للوالد وفرض عليه إقامة جبرية منذ العام 1976 ورفعها عنه الرئيس الشاذلي بن جديد)، فرحم الله الوالد، وشتان بين أعمدة الحكم في السابق ومُسعَري صراعات الحكم في السنوات الأخيرة، فما للدولة أي اعتبار ولا للبلد أي قيمة، المهم التطاحن والتهارش على من يحكم ومن يسيطر على القرار، حتى وإن تشعبت بالبلد المسالك والمهالك.
فاللهم احفظ بلادنا وشعبنا من كل مكروه وسوء، وجزائرنا الحبيبة من عبث العابثين وكيد الكائدين وصراع النفوذ والسيطرة، واجعل غدنا خيرا من يومنا..


كتب بواسطة :د. سليم بن خدة