عهدة خامسة من دون المخلوع…لكن❗

عهدة خامسة من دون المخلوع…لكن❗

كل ما نشهده منذ 12/12 من قمع مننهج للنشطاء و التآمر ضد الحراك و كذب المسؤولين المستمر على الأقلية التي تواليهم و بروباغندا الإعلام العمومي و الخاص و سجن للصحفيين و حجب للمنابر الإعلامية الحرة…
كل هذا يزيد من قناعة الجزائريين أن السلطة لا تبحث بتاتا عن قيام جمهورية جديدة بل قد أدخلت الجزائر في عهدة خامسة لكن من دون بوتفليقة على رأسها !

عهدة خامسة لكن بمواصفات خاصة، نذكر منها إندثار أحزاب السلطة الخمسة، جبهة التحرير الوطني FLN و التجمع الوطني الديمقراطي RND و تجمع أمل الجزائر TAJ و الحركة الشعبية الجزائرية MPA و بطبيعة الحال حركة مجتع السلم MSP التي ساندت بوتفليقة طيلة 13 سنة و التي قد ساند رئيسها محاولة السعيد بوتفليقة تمديد عهدة شقيقه أربع أشهر قبل سقوطه في أفريل من السنة الماضية.

هذا الإندثار يضع السلطة أمام ضرورة تجديد واجهتها المدنية لإعطاء الإنطباع أن التغيير جار و لا حاجة في تلبية مطالب الحراك الشعبي و يتجلى هذا في محاولة السلطة وضع أحزاب مجهرية تحت غطائها، أحزاب بعضها تبنى في الماضي القريب خطابا معارضا، لكن أسرعت في تغيير لهجتها مباشرة بعد ترسيم عبد المجيد تبون على رأس الدولة.
هذه الأحزاب و إن كانت لا تمثل الشيء الكثير في المجتمع إلا أنها تأمل اليوم المشاركة في تركيبة تحالفية جديدة تحل محل “التحالف الرئاسي” الذي عرفناها في فترة حكم بوتفليقة.
كذلك، لا يمكن استبعاد فرضية خلق أحزاب جديدة في مخابر الشركة السياسية، مهمتها مساندة “الرئيس” أو كما ذكرناه سابقا التحضير لهيكلة تيار سياسي يميني متطرف موازي للطبقة السياسية الكلاسيكية يلعب دور الفزاعة بتوكيله مهمة مهاجمة المعارضين للسلطة و لسياساتها.

تجديد الواجهة المدنية سيأتي بعد تكييف قانون العقوبات و ذلك بسن قوانين مطاطة أكثر مما سبق سيستعملها العسكر و تبون في أول فرصة تتهم لهم ضد كل من المعارضين و ذلك بإسم المساس بأمن الدولة و كل التفاهات التي عودونا عليها طيلة 60 سنة.
زد على ذلك، خرجات السلطة التعسفية عبر وزرائها كتعامل وزير الإتصال بلحيمر مع الإعلام الحر و وزير العدل زغماتي مع القضاة و الخرجات الشعبوية للوزير رزيق، الذي أصبح يسميه الكثير من الجزائريين ب”وزير البطاطا” لما يقوم به من طرح ديماغوجي شعبوي لقضايا تجارية بديهية لا تحتاج كل ذلك التهويل و البهرحة !

كل هذا، يجعل كل مراقب للأوضاع السياسية في الجزائر يجزم أن السلطة بهذا النهج الذي تتبعه، تحاول إعادة سيناريو 1979 بعد وفاة بومدين بفرض منطق التغيير في الإستمرارية، أو ماكان يسمى ب”نزع البومديينية” “Déboumedienisation” و ذلك بتغيير الواجهة المدنية للسلطة الفعلية لكن في إستمرار النظام و سياسته المحورية، أي : فرض التعامل الأمني مع كل القضايا السياسية.

لكن ما تتجاهله السلطة و زبناؤها، و الذي سيقلب كل الموازين و يضع أصحاب القرار أمام وضعية لا يحسدون عليها، يمكن اختزاله في نقطتين، الأولى تخص المجتمع و الثانية تخص الوضعية الإقتصادية.

بالنسبة للمجتمع، لم يشهد المجتمع الجزائري منذ الإستقلال بكل أطيافه و في جميع أنحاء الجمهورية هذا المستوى الكبير من الوعي بالقضايا السياسية و يتجلى ذلك في قدرة الحراك الشعبي في تفكيك كل ألغام المنظومة الحاكمة التي نصبتها طيلة 60 سنة من الحكم، من جهوية و عنصرية و تفرقة و بروباغندا إعلامية و تلاعبات سياسية.
بل أكثر من ذلك، خلق الحراك الشعبي لنفسه مناعة قوية ضد كل أساليب السلطة، بما في ذلك العنف، بتبنيه أسلوب سلمي و حضاري إلى أبعد الحدود يشهد عليه العالم بأسره، ما أسقط ورقة “القمع المعمم” من أيدي النظام.

كذلك، قرار الحراك السيادي بتعليق المسيرات حفاظا على أرواح الجزائريين بسبب الوباء و إغتنام النظام لهذه الفرصة من دون ضمير أخلاقي لتصفية حساباته مع النشطاء و الصحافيين و كل ما تبعه من تعسف و تسيير كارثي لأزمة الكورونا، زاد من قناعة الجزائريين أن النظام لا يعترف بأدنى أخلاقيات السياسة و ولد عند الكثير رغبة قوية برد الصاع صاعين بعد نهاية الحجر الصحي، باستعراض لقوة الحراك من جديد عبر عودة المسيرات الشعبية السلمية بأكثر جرأة و قوة، لأن الجزائريون الذي لا يعترفون بشرعية السلطة يدركون تمام الإدراك أن ضمير الوطن الوحيد الآن هو الحراك، و ميزان القوة الوحيد هو الحراك ضد سلطة عديمة الكفاءة و مفلسة أخلاقيا.

أما من الناحية الإقتصادية، فتهاوي إحتياطي الصرف بحوالي %68 بالنسبة لما كان عليه في مارس 2014 (195 مليار دولار مقابل 62 مليار دولار في فيفري 2020) يشكل عائقا كبيرا للسلطة لكي تتجرأ على الذهاب غي سياسة شراء السلم الإجتماعي و السياسي كما فعل المخلوع، فهذه الثروة ستتهاوى بمعدل 10 ملايير دولار سنويا لكي تستقر في حوالي 51 مليار دولار نهاية السنة الجارية.
هذا من دون الحديث عن التهاوي الأخير لأسعار النفط بسبب نقص الطلب على البترول بسبب تعطل نسبي لكثير من إقتصادات الدول النامية و الذي سيتواصل إلى غاية توازن العرض و الطلب بعد الخروج من أزمة وباء كورونا. هذا سيقل أكثر من واردات النفط في الجزائر مما سيضيق أكثر هامش المناورة لدى أصحاب القرار.

إذن، كل المؤشرات السياسية و الإقتصادية و المجتمعية توحي إلى أن خيارات النظام تقلصت إلى خيار واحد إن أرادت قياداته الخروج بأمان من الوضعية التي وضعوا فيها أنفسهم و البلد عامة منذ مكيدة 12/12، هذا الخيار هو فتح باب التفاوض الجدي مع قوى المجتمع لكن بعد تلبية الشروط المنطقية التي وضعها الشعب كحد أدنى للتفاوض و هي : إطلاق سراح المعتقلين و فتح الإعلام العمومي و إلغاء القوانين التعسفية و فتح المجال للتنظيمات الجمهورية و السياسية من مزاولة نشاطها و وقف حملات التشويه الإعلامية و الإلكترونية، و وقف كل تدخلات السلطة الفعلية و التنفيذية في العدالة.

كذلك،

من جانب آخر، قرار الحراك السيادي بتعليق المسيرات حفاظا على أرواح الجزائريين بسبب الوباء و إغتنام النظام لهذه الفرصة من دون ضمير أخلاقي لتصفية حساباته مع النشطاء و الصحافيين و كل ما تبعه من تعسف و تسيير كارثي لأزمة الكورونا، زاد من قناعة الجزائريين أن النظام لا يعترف بأدنى أخلاقيات السياسة و ولد عند الكثير رغبة قوية برد الصاع صاعين -بعد نهاية الحجر الصحي- عبر عودة المسيرات الشعبية السلمية في كل أرجاء الوطن بأكثر جرأة و قوة، لأن الجزائريون الذي لا يعترفون بشرعية السلطة يدركون تمام الإدراك أن ضمير الوطن الوحيد الآن هو الحراك، و ميزان القوة الوحيد ضد سلطة عديمة الكفاءة و مفلسة أخلاقيا هو الحراك في ظل عدم وجود فصل للسلطات في الجزائر، فلا سلطة تشريعية تراقب عمل الجهاز التنفيذي و لا سلطة قضائية تعمل بحرية و لا إعلام نزيه في خدمة المواطن و المجتمع.

لذلك فتحضير عودة المسيرات يجب أن يكون محكما و بمضمون سياسي لا غبار عليه و لا تأويل له غير :
تأسيس جمهورية جديدة ديمقراطية، تكرس الحرية و العدل و دولة القانون و الفصل التام للسلطات و حماية مؤسسة الجيش من التلاعبات السياسية، في إطار القطيعة التامة مع من كرسوا الدكتاتورية طيلة ستة عقود…

– عبد الرزاق بن جودي –