نقطة يظهر لي أن الإنسان مجبر على توضيحها جيدا باش يكون منطقي تماما وأمين تماما مع نفسه و مع الناس، وللناس بعد ذلك الحق أن يقبلوا أو يرفضوا فلكل شخص حق اتخاذ الموقف الذي يناسب قناعاته .
هناك فارق جوهري بين أن ترفض قمع النظام للشباب بدعوى مروقهم من الدين
وبين أن تشجعم على السخرية من الدين نفسه.
لا يريد النظام شيئا سوى الخلاص من كل صوت معارض، وهو يبحث عن الوصول لذلك الهدف باختراع أية أسباب ممكنة للناشطين (المس بمعنويات الجيش، المس بالوحدة الوطنية، المس بالدين ..الخ) بل إنه يفعل ذلك حتى دون اختراع أية أسباب عطفا على أن القوة تبرّر نفسها، فكثير من المعتقلين خلال المظاهرات لا تهمٓ واقعية لهم، وغالبيتهم قضوا شهورا في السجن الاحتياطي قبل أن يخرجوا منه دون أية متابعات جدية ، بمعنى أن الأمر يتعلّق بمجرد قمع عارٍ عن أية شرعية سياسية او قانونية.
هنا من الواجب إدانة هذا التوجه القمعي الذي يعود بالبلاد إلى مراحل شديدة الظلمة من تاريخها، ويحاول أن يغلق “القوس” الذي فتحه تاريخ 22 فيفري في تاريخنا.
هنا لا يتحرك النظام من منطلق الدفاع لا عن القانون ولا عن الدين ولا عن الأخلاق ولا عن الوحدة الوطنية … هذا كله كذب، النظام يقمع كل من له علاقة بالشارع لا أكثر ولا أقل.
ولو كان النظام يقيم وزنا للقانون نفسه فإن رجلا مثل علي بلحاج يقع تحت تضييقات أمنية لا مبرّر قانوني لها، مبررات ضد القانون نفسه، ولكن النظام لا يحترم هذا القانون الذي يدّعي أنه يصونه.
نفس الشيء بالنسبة لمساجين التسعينات ومعتقلي ما بعد 22 فيفري، فالأوائل سجنوا في ظل لا عدالة الجنرالات وفق تقارير أمنية ومسرحيات قضائية ستظل سُبّةً في تاريخ القضاء .. ومازال هذا النظام يتحفظ عن إعادة النظر في تلك المحاكمات و أولئك المساجين، رغم أن غالبيتهم الساحقة من الأبرياء المظلومين.
نفس الشيء مع معتقلي الحراك ممن لم يثبت عليهم شيء وإنما وضعوا في السجن الاحتياطي عقوبة لهم بدل أن يكون ذلك السجن استثناءً من وضعية عدلية قضائية مستقرة.
وإذن، فليس مقبولا من النظام أن يتاجر بالوطنية أو بالدفاع عن دين الشعب لكي يقمع الشباب، لأن النظام نفسه ليس بطل العالم في الإيمان والتقوى ولا في الوطنية .
أن ترفض هذا المسعى الذي يخوضه النظام هو أمر ثابت وقناعة مستمرة، لكن ذلك شيء والدعوة للاستهانة بدين هذا الشعب شيء آخر تماما.
لقد حمى القانون نفسه هذا الدين من السخرية والاستهزاء، واختراق هذا الجدار القانوني سيحولك لرهينة للنظام يحاكمك متى يشاء وتبريره جاهز!
حتى إن كنت مقتنعا بأن هذا الشعب فاقد للوعي مغيّب العقل وأن دينه مجرد خرافات فأمامك طريق واضح لتغيير الوضع القائم، أي الخوض في السياسة بأحزابها والتحول لأغلبية تكفي لتغيير الدستور ونزع المادة الثانية منه تماما.
هذا إن كنت راغبا في إجراء تغيير حقيقي على مضمون المجتمع، أما إن كنت راغبا فقط في توزيع السخرية والاستهزاء فلن يفيدك ذلك تكتيكيا لأنه سيجعلك واقعا تحت قبضة متابعة النظام، ولن يفيدك استراتيجيا لأن السخرية من عقائد الناس ومن الناس انفسهم ليست وسيلة إقناع، الحوار هو ما يقنع الناس والعقل هو ما يجذبهم أو ينفّرهم منك.
لن أخوض ـ طبعا ـ نقاشا دينيا في موضوع السخرية والاستهزاء بالذات الإلهية أو بالأديان والرسل جميعا، لأن قناعتي أن البعض لن يفهم، وهم لن يستوعبوا الفارق العريض بين مجتمع علماني يعتبر الدين شأنا شخصيا والحرية “دينا” لا يجب مسّه، وبين مجتمع متديّن يهمه أن لا تُعامَل اعتقاداته بسخرية.. حتى وإن كان هو غارقا في مخالفتها صباحا مساء… فأنت قد تخالف أباك وتخرج عن أوامره في أمور كثيرة ولكنك لن ترضى أن تسمع سخرية او استهزاءً به.
إن المعركة التي دشنها الحراك في 22 فيفري هي معركة الحريات السياسية وإعادة الكلمة للشعب، وكل معركة أخرى يجب أن تتأخر تماما إلى غاية إنجاز الهدف الذي وُلد لأجله تاريخ 22 فيفري… بل إن فتح معارك جانبية ذات مضمون عقائدي أو جهوي لن يتوقف ضرره على من يفتحون هذه المعارك، بل إنه سيسيء لمحتوى الحراك نفسه، ويعطّل تحوله إلى قناعة قوية تستأنف دورها في تحريك تاريخ بلادنا.
إن تجارة النظام بالدين والوطنية مرفوضة.
ولكن الحل ليس شتم الدين والوطنية بالطبع.
العكس هو الصحيح.
ملاحظة : هذه ال(نقطة النظام) لا تتعلق بقضية اعتقال الشاب وليد، ولكنها إحدى نواتج النقاش الذي تبعها، وقناعتي – في قضية الشاب – أنه بوجود محامي شاطر وقاض عادل فسوف يخرج إلى بيته، فلا المنشور منشوره ولا صاحب المنشور تم اعتقاله أو الحديث معه أصلا .. وبالتالي فلا معنى لاعتقاله مكان شخص آخر لم تقم الشرطة باتهامه بأي شيء !
ابوطالب شيبوب