إعلان فشل
العنف اللفظي الذي يتضمنه الخطاب الرسمي في تناوله للرأي المختلف، وتخوين من ينتقدون خيارات السلطة وأداء الحكومة مؤشر يضاف إلى حملة الاعتقالات المستمرة التي لم تتوقف في شهر الصيام في أجواء حزينة فرضها الوباء، والقوانين التي تم تمريرها على عجل لتبرير مزيد من التضييق في المستقبل القريب، وكل هذه التفاصيل تفرز خلاصة واحدة: السلطة ضعيفة وخائفة.
بعد خمسة أشهر من تمرير انتخابات 12/12 كان يفترض أن تتصرف السلطة من موقع المنتصر، كان ينتظر منها أن تحافظ على الشكليات التي تخلق الانطباع بالتوجه نحو التهدئة وتجاوز الاستقطاب الحاد الذي طبع مرحلة ما قبل الانتخابات، وكان المنطقي هو تنفيذ الحد الأدنى من الوعود المتعلقة بتعزيز الحريات واطلاق حوار سياسي، والانفتاح على الرأي المختلف، فما الذي جعل الصورة تزداد قتامة بعد هذه المدة؟ وما الذي دفع السلطة الى العودة إلى عنف الخطاب وأساليب الاقصاء وهي أسلحة دفاعية رغم النصر المزعوم الذي تحقق بفرض انتخابات 12/12؟
يشير ما يجري إلى غياب رؤية واضحة لكيفية إعادة مد الجسور مع المجتمع، وبعيدا عن فخ تحديد أي موقف تناصره الأغلبية فان أي سلطة تدعي انها تمثل عهدا جديدا جاء على أنقاض عهد أنهاه الجزائريون بالنزول الى الشارع، لا بد لها من قاعدة دعم واسعة، ولا بد لها من خطاب جامع يتجاوز كل الانقسامات التي أفرزتها مقاومة النظام لإرادة التغيير المعبر عنها بكل وضوح في الشارع، والاستمرار في نفس الخطاب والممارسات يقدم السلطة كامتداد للعهد الذي تصفه بالبائد وهو ما يجعلها شكلا من أشكال مقاومة إرادة التغيير.
ما يجعل السلطة غير قادرة على تأسيس علاقة جديدة مع المحتمع، وبناء توافق حولها هو أولا عدم انسجامها، وثانيا عدم امتلاكها لامكانات بلوغ ذلك الهدف، والمقصود بالإمكانات هنا الموارد المالية التي يمكن استعمالها لإحداث تغيير ملموس وسريع في حياة الناس، والكفاءة الضرورية لوضع خطة عمل واضحة، وقد انتهى الأمر الى تقديم خطط حكومية ترتكز على أفكار العهد البوتفليقي ووعوده غير المنجزة، وقد جاء تفاقم الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا ليعقد الأمر أكثر.
تعامل السلطة مع ظرف الوباء كفرصة سياسية هو اعلان صريح بفشل الانتخابات بعد خمسة شهور من فرضها، والاستعداد لشوط آخر من المواجهة سيؤكد بصفة نهائية أن أزمة النظام أعمق من أن تحل بانتخابات شكلية او بخارطة طريق يفرضها الطرف الذي يستحوذ على الحكم، وهذا هو الزلزال الذي أحدثته السلمية دون أن تكسر زجاجة واحدة.
نجيب بلحيمر .