الاتهامات والشتائم لا تغني عن الحجة !
فاجأنا العدد الأخير من مجلة الجيش بـ «تعليق» (عوض افتتاحية !؟) عجيب استعمل صاحبه فيه راجمة صواريخ ! لقد جاء التعليق في صيغة خطاب مليء بالحقد والكراهية والاحتقار إلى درجة جعلت صاحبه يبدو فيه وكأنه نسي دوره حتى كاد القارئ لا يرى فرقا بينه وبين ذلك النوع الذي صرنا نقرأه على صفحات الفايسبوك من منشورات منددة بمن يسميهم أصحابها بـ «الزواف». العبارات المستعملة في هذه المنشورات سوقية كان الأحرى بصاحب التعليق أن ينأى بنفسه عنها باعتباره يتحدث باسم جهاز حريص على تسمية نفسه بـ «المؤسسة». أتمنى أن لا يلزم هذا التعليق إلا صاحبه وليس الجيش الوطني برمته، لاسيما وأنه جاء بصيغة مؤيد لموقف من يظل يزعم أن نظام الحكم في الجزائر يبقى ذا طبيعة عسكرية.
خلافا لافتتاحية العدد التي تناولت الجهود المبذولة في مواجهة وباء الكوفيد19 بأسلوب رزين، جاء التعليق من قبيل الإعلام الحربي، كما يدل على ذلك عنوانه «الويل لخونة الوطن». «الويل» يعني الوعيد ! ما من شك أن الأمر له علاقة بتلك الشعارات التي ظل المواطنون يرددونها في مسيراتهم زمن الحراك، لاسيما شعاري «مدنية ماشي عسكرية» و«لي جينيرو في لابوبال». شخصيا، كنت أدرك حينئذ أن القادة العسكريين لن يغفروا أبدا للحراك هاذين الشعارين إضافة إلى وقوفه ضد تنظيم انتخابات رئاسية فرضها قادة القوات المسلحة. واليوم يتأكد ذلك من خلال اللهجة المستعملة في التعليق المذكور مثل : «فأسرعوا ينبحون ككلاب مسعورة: “دولة مدنية لا عسكرية” وشعارات أخرى…»، إضافة إلى تلك الإشارة إلى : «حفنة ماردة… راحت… تزرع الشكوك والظنون في وطنية واحترافية أحفاد جيش التحرير الوطني وقيادتهم» ! هذه الحفنة الماردة وُصفت تارة أخرى بـ «شرذمة مرتزقة» أو بـ « الزمرة الماردة». كما تحدث التعليق عن «زنادقة مشعوذين يفتون دون علم في كل المسائل وكأني بهم فلاسفة الإغريق أو خطباء روما»، على حد تعبيره. هل كان هؤلاء الفلاسفة والخطباء مشعوذين؟!
بطبيعة الحال، هناك دائما أطراف تكنّ العداء للبلاد وتريد لها الشر وتحاول أن تستغل أوضاعها. بل ولاشك أن فلول «العصابة» تسللت إلى مسيرات الحراك لكن سعيها خاب ولم تستطع أن تؤثر فيه أبدا وتجعله يحيد هن غايته الأصلية. فلنعد إلى التسجيلات لنتأكد من ذلك جيدا.
الأنشطة المعادية أمر عادٍ في حياة الدول. لذلك كانت هناك أجهزة مخصصة لإحباطها، من دون صخب. فمن مهمة هذه الأجهزة، إذاً، توقيف كل من ثبت تورطه في تصرفات مضرة بالبلاد وتقديمه للمحاكمة لينال جزاءه في ظل عدالة مستقلة. أما الاتهامات بالجملة، فلا تجدي نفعا، بل من شأنها تعكير صفو الحياة السياسية الوطنية.
ختاما، الاتهامات التي تضمنها «التعليق» كله يمكن اختصارها كالآتي : ويل لكل من دعا إلى التغيير وإن الجيش الوطني الشعبي سيكون له بالمرصاد. أهذه هي الجمهورية الجديدة التي يظل الجزائريون يوعدون بها منذ انتخابات 12/12 ؟ !
تنبيه : لقد كشف الحراك أن الخطاب المعادي له يستغل عددا من العناصر وهي : اللغة، الدين، ثورة التحرير والشهداء، الحركى والعمالة لفرنسا. لكنه يبقى مجرد دعاية الغرض منها تصبية (infantilisation) المواطنين لتأخير موعد التغيير الحتمي.
م ح