هل أنتم جادّون السيد الرئيس؟
هذا هو السؤال الذي طرحه العديد من الأشخاص حين استلموا مسودة الدستور. الدستور نص ينظم مشاركة المواطنين في حقل الدولة، ويحدد صلاحيات السلطة التنفيذية في مهامها الدستورية. وهو يكرس فصل السلطات ويحمي الحريات العامة والفردية للمواطنين. أول الحقوق المدنية لهؤلاء، هو الحق في انتقاد السلطة التنفيذية حين تتجاوز حدود صلاحياتها. كيف إذن تقدم مسودة الدستور هذه للنقاش “الديمقراطي”، في حين يقبع طابو، درارني ومئات الحراكيين في السجن، فقط لأنهم مارسوا حقوقهم المدنية؟ هل أنتم جادّون السيد الرئيس؟
هل نظام الحكم الجزائري صادق، في إرادته إيجاد حلّ للأزمة عبر تغيير القانون الأساسي؟ هل يريد فعلا حلّ الأزمة وإضفاء السلمية على علاقته بالمجتمع، أم أنه يريد فقط إعادة بناء القاعدة القانونية للظلم والاستبداد، من أجل استعمال جهاز العدالة لحمايته ضد المجتمع؟ أخشى أن الدستور بالنسبة لشنقريحة ولتبون، هو مجرد أداة قانونية تتيح حماية النظام من المعارضة. يقوم هذا الموقف على اعتبار الحكام الدولة ملكيتهم الخاصة، الموضوعة تحت وصاية الجيش الذي يستزلم نخبة مهمتها تسيير المصالح الحكومية. الجزائريون في نظر الحكام هم جيران مزعجون وجب الاتفاق معهم على نص يحدد قواعد حسن الجيرة. وكأنهم يقولون للجزائريين “هذا ما يمكنكم فعله كجيران، وما لا يمكنكم فعله، وإلا فهذا غير قانوني”.
سئل الفيلسوف الإغريقي سولون في أحد الأيام: “ما هو أفضل دستور؟”. فأجاب: “لأي زمنٍ ولأي شعب؟”. أفضل دستور للشعب الجزائري اليوم هو الدستور الذي يضع حدا للثنائية، سلطة فعلية/سلطة شكلية، ويمنع القيادة العسكرية من تعيين الرئيس. هو الدستور الذي يمنع تنظيما مثل المديرية المركزية للأمن الداخلي، التي تكلفها وزارة الدفاع بمراقبة الحقل السياسي واصطناع النخب. إن وجود هذه المديرية غير شرعي وممارساتها هي ممارسات غير قانونية. المسودة التي وزعتها الرئاسة بعيدة كل البعد عن مطالب الحراك الذي نادى “بدولة مدنية ماشي عسكرية”. هل طالب الحراك باستحداث منصب نائب رئيس؟ في الوقت الذي يطالب فيه الجزائريون برئيس حقيقي، يقترح النظام عليهم رئيسا ونصف رئيس. هل أنتم جادون السيد الرئيس؟
أين هي المواد التي تمنع العسكر من التدخل في الحياة السياسية؟ أين هي المواد التي تضع الدرك الوطني تحت سلطة وزارة الداخلية؟ أين هي المواد التي تنزع من وزارة الدفاع مهمة حماية -إذا التحكم في- الرئاسة؟ أين هي المواد التي تعترف لرجال الشرطة بحقهم في تشكيل نقابة تضمن للأمن الوطني أن يكون حاميا للنظام العام وليس لنظام الحكم؟ أين هي المواد التي تعطي للنواب الحق في تشكيل لجان تشرف على عمل أجهزة أمن الجيش والشرطة؟
السيد الرئيس، الدستور ليس قانون حسن جيرة بين الحكام والمحكومين. هو نص وظيفته تقنين ممارسة السيادة الشعبية التي تجسدها مؤسسات الدولة. إن هذه المسودة خارج التاريخ وهي من زمن 1965. الجزائر في حاجة لدستور 2020. لكل زمن دستوره، هذا ما قاله الفيلسوف الإغريقي سولون.
عدي الهواري