زوج بغال
قصة بغلين بعثهما المستعمر الفرنسي من مغنية ووجده، الأول في اتجاه المغرب والثاني في اتجاه الجزائر عبر طريق معبّد، أطلق على نقطة التقائهما عبارة عن النقطة الحدودية بين الجزائر المستعمرة والمغرب القابع تحت الانتداب الفرنسي في ذلك الوقت.
نقطة حدودية أرادها الفرنسيس في مكان التقاء بغلين، القصة رواها المجاهد محمد لمقامي رحمه اللّٰه في كتابه الرائع: رجال الظل، مذكرات ضابط في وزارة التسليح والاتصالات العامة
Les Hommes de l’ambre, mémoires d’un officier du MALG
إذا صحّت القصة، فلا غبار على مستقبل العلاقات الجزائرية المغربية كما أرادتها فرنسا الإستعمارية، قصة حب وكراهية بين بغلين لا يراد لها الرقي إلى مستوى الآدمية.
حالة اللاّحرب واللاّسلم، كما كتبها وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسينجر في كتابه الموسوعة تحت عنوان الدبلوماسية (Diplomacy) حول العلاقات الدولية والدبلوماسية، كما تراها وتشجعها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وذلك للوصول إلى حالة الهيمنة الأوحادية بعد سقوط الكيان الشيوعي، وهو ما حققته بلاده بعد انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 وثم تلاه من اختفاء السوفيات الأعظم في 26 ديسمبر 1991.
هنري كيسنجر يكتب بصريح العبارة في كتابه عن حالات نزاع تغذيها الولايات المتحدة وحلفائها عبر العالم، لبسط هيمنتها السياسية والدبلوماسية، وتجعل من حكومة بلده والحكومات الحليفة طرف مرغوب وأساسي في فض النزاعات الدولية، طريقة ذكية في فرض السيطرة الأمريكية على البلدان النامية أو في طريق النمو، وكذا إبقائها تحت مطرقة العم سام الإقتصادية والسياسية، إستراتيجية سماها العجوز هنري بالصراعات غير الحادة أو غير الشديدة (not intense conflict)أين لا تترك الأمور تتطور إلى حالة الحرب والتي قد تضر بمصالح الولايات المتحدة في منطقة الصراع، كما لا تسمح لأطراف النزاع بالوصول إلى حلول دبلوماسية ناجعة حتى تبقى تهيمن على الملف في أروقة الأمم المتحدة وتستعمل سياسة المطرقة والسندان لإطالة عمر الأزمة وضمان تحقيق كل ما تريده الحكومة الأمريكية من مصالح ومزايا بإثارة النعرات والتوترات من حين إلى آخر
يستند كيسنجر في كتابه إلى قضيتي نزاع عبر العالم ليفسر إستراتيجية بلاده في تشجيع النزاعات غير الحادة أو الغير الشديدة، أولاً القضية الفلسطينية والإحتلال الصهيوني، وما مدى إستراتيجية بقاء هذه الحالة من النزاع للحفاظ على مكانة ومصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وثانيا يذكر قضية الصحراء الغربية والتي تُمكن بلاده من الحفاظ على دورها الدبلوماسي في منطقة شمال إفريقيا، كما تتيح لها الحفاظ على نوع من توازن القوى بين الحليف المغربي عبر المبيعات العسكرية والصديق الجزائري في عدم قطع قنوات التواصل مع هذا البلد “الإشترلكي” في ذلك الوقت مع التمكن من ترويضه وضمه إلى الفلسفة الرأس مالية، وذلك ماحدث في بداية التسعينات من القرن الماضي.
لا توجد محبة أبدية ولا عداء أبدي في العلاقات الدولية كما قال الوزير الأول البريطاني السابق وينستن تشرشل، ليس هنالك إلا علاقات مصلحة، مصلحة التي لم يفهمها بعد البغال في المغرب والجزائر في 2020، لم يتجرأ أحد منهم على تغيير إسم تلك النقطة الحدودية الملعونة، كما لم يفهموا أننا شعب واحد بتاريخ واحد ولغة واحدة، نشترك في العربية والأمازيغية، وأكثر من ذلك كله، نحن مسلمون والمسلم لا يكره أخاه المسلم ولا يعاديه، العداوة صناعة إستراتيجية غربية ومالم نفهم ذلك فلا وجود لأي تأثير لنا مع باقي الإنسانية فيما يسمى بالمجتمع الدولي ومؤسساته السياسية.
صح فطور البغال حتى وإن أبت الرقي إلى مقام الآدميين
يحي مخيوبة