من عودة سياسة الكادر إلى النخب المؤيدة للإصلاح الدستور: أكذوبة “الجزائر الجديدة”
الصورة التي تظهر 12 نائبا من المجلس المحلي لولاية النعامة جالسين و محاطين بكادر رئيس النظام، عبد المجيد تبون، إنتشرت بشكل واسع عبر شبكات التواصل الإجتماعي. ليست الصورة بمحاكاة ساخرة من صنع شبان متهّكمين، بل صورة حقيقيّة تجسد الواقع المرير للممارسات السياسية و تعطي نظرة عامة عن طبيعة النظام.
الصورة موجّهة للجزائريين الذين قاموا منذ 22 فبراير ضد سياسة “الكادر” التي نادت بها، خلال السنوات الأخيرة، منظومة الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. هذه الصورة صدمة للمواطن لكونها تذكره بمشاهد المذهلة الماضية التي حل فيها “الكادر” محل رمز أعلى قمة الدولة.
إلا أنه من الناحية السياسية، تتماشى هذه الصورة تماما مع الروح التي تسود داخل النظام و زبنائه و تذكرنا أن الخضوع والولاء والزعيمية قيم جوهرية في “الحمض النووي السياسي” للنظام. إن الشباب الذين إقتلعوا صورة بوتفليقة من أسوار مقر ولاية خنشلة في بداية الحراك و الملايين من الجزائريين الذين يطالبون بدولة القانون، يرفضون رفضا قاطعا هذا النوع من الممارسات و يسعون، دون قيد أو شرط، للعيش في الكرامة والحرية والعدالة.
منذ انتخابات 12 ديسمبر الماضي ومنذ أن عيّن الممثل المدني الجديد للنظام من قبل الدوائر العسكرية، أراد النظام أن يبيع للجزائريين فكرة خاطئة: لبّها أن مشاكل الجزائر كانت بسبب “مافيا” قبضت عليها وتعمل على حسم أمرها، و أن “الجزائر الجديدة” ستولد بعد “الحراك المبارك”. و لذلك كان على الجزائريين أن يتحلوا بالصبر وأن ينتظروا حلول الإجراأت و أول الإصلاحات ، وهذا رغم رفض الإرادة الشعبية الإنتخابات غير الشرعية رفضا تامًا!
إنّ ما برز منذ ذلك الوقت هو سلطة استبدادية عنيفة قامت بسجن مئات المعتقلين، وتكميم الصحفيين المحترفين، والاعتداء على المواطنين من خلال مضايقات قضائية وشرطية، و وضع قوانين تقمع حرية التعبير، و تمويل وسائل إعلام خسيسة، لامهنية ولا أخلاقية لها، تنشر خطاب الكراهية. إن سياسة النظام ضد النضال الشعبي من أجل سيادة القانون والديمقراطية سياسة شمولية ، على عكس ما طالب به الحراك الشعبي.
لم يطالب الجزائريون من الحكومة صياغة دستور وإنّما نادوا إلى القضاء الفوري على هذه المماراسات و إلى إرجاع و تسليم السيادة للشعب. إن صياغة الدستور عمل جاد و النص القانوني الأساسي(المؤسس؟) للأمة إنّما ويتولّد كنتيجة لمشروع مشترك يصيغه مسؤولون منتخبون شرعيا، بغرض توجيه الأمة وإرشادها على أساس هذه الركائز الأخلاقية والسياسية…فليست المسألة مسألة خبراء.
وما أكثر إثارة للقلق هو تبرير بعض النخب السياسية للإصلاح الدستوري كخطوة ضرورية تسمح للجزائريين أن يطالبوا بها بحقوق أكثر. و في بعض الأحيان تميل هذه النخب إلى تقديم مناضلي الحراك الغير مقتنعين بشرعية النظام كمواطنين طائشين فاقدين للعقل وعاجزين على فهم المنطق البراغماتي للدولة. هؤلاء النخب مستعدين لغض النظر عن وضع المعتقلين المسجونين ظلما. هاته النخب لا تؤمن بالقدرات السياسية للشعب ولا بإمكانياته لمناقشة الشؤون الدستورية.
ما يطلبه الشعب الجزائري ليس بالمستحيلات. سيادة القانون التي تضمن الحريات الفردية والجماعية ، وعدالة و صحافة مستقلة و إختيار الممثلين المنتخبين للجمهورية بطريقة ديموقراطية…نحن اليوم على بعد آلاف الكيلومترات من هذا المشروع.
إن البلد يُسيَّر بسياسة هدفها تسوية كل شيء بقوّة الأمن و دفن فكرة التغيير السلمي الجذري و لكن إسكات الأصوات الحرة والملتزمة لن يغلق صفحة الحراك ، ولن يحل التحديَّات الهيكلية التي تواجهها الدولة.
نيران الأزمات تحيط بأبواب الوطن. الاقتصاد الوطني يسجل عجزًا شديدًا وأسعار النفط العالمية منخفضة جدا كما أن الاحتياطيات المالية تنخفض بشكل رهيب. وقد يزيد التسيير السيِّئ لجانحة فيروس الكورونا، الوضع تعقيدا. يظهر واقع “الجزائر الجديدة” بدون قناع وهو إفلاس بطيء يقود البلاد إلى جدار من المستحيل تجنبه بدون تغيير جذري.
رؤوف فراح