العهد الظلامي الجديد”
كتب بواسطة :المحرر السياسي
من أبشع وجوه الاستبداد وعار الشيوعيين ما توصلوا له من عقوبة أسموها: “الجنحة الكلامية”، والتي تنص على: “إن أي شخص يقوم بإهانة أو مهاجمة نظام الدولة كلاميا، أو كتابيا، أو تصويريا، سيعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات”، كان هذا في الزمن الشيوعي البائد، لكن أحياها “العهد الظلامي الجديد” عندنا، تخويفا وترويعا وترهيبا واستفزازا.
وكلما أحاط العجز والفشل بمستبد، فتح السجون لمن يخشى حريتهم وشجاعتهم، إنه الرعب من الأحرار الشرفاء يجعل المتربصين يتخلصون منهم بالسجن والتغييب، ثم يحركون طبولهم الفارغة لتطبل لجهلهم ولعجزهم ولخوفهم. فالأحرار يحاكمون على أنهم خونة، أو يرسلون للمصحات النفسية على أنهم مرضى، أو يعاملون كجيف في السجون، في طريقها للدفن…
وقد حمل معتقلو الحراك همّ حرية بلدهم على عاتقهم، الحرية عندهم لم تكن كلاما ولا تلقينا، بل كانت الحرية عملت تحريريا صادقا، واجهوا بها القوى المتربصة بحراك الشعب ووعيه ويقظته. وأدركوا أن لحياتهم معنى وقيمة، يقول نيتشه: “من يملك سببا يعيش من أجله فإنه يستطيع غالبا أن يتحمل بأية طريقة وبأي حال، فالويل لمن لا يرى في حياته معنى، ولا يستشعر هدفا أو غرضا لها، ومن ثم لا يجد قيمة في مواصلة هذه الحياة، وسرعان ما يحس بالضياع”. لقد ضاق بهم المكان في السجن الجائر المظلم، وهم لا يريدون أن يُحرموا من وطنهم، لأنهم لم يطهروه من الظلم والاستبداد، لكنهم ربحوا حريتهم، وهم وإن أخذ السجن منهم بعض حياتهم، ولكنه يزيدهم وعيا ونضجا وتمرَسا. والمجتمع المُهان هو الذي لا يستطيع الاعتراض على ظالم ولا سياسات جائرة.
والمجتمع الخائف منخور بالرعب، وهذا النموذج المجتمعي الذي يريدونه، مجتمع ما قبل 22 فبراير، ليسود النفاق والكذب، فيرى المبالغة في المدح والترويج للفساد والقدح في المخالف طوق نجاته، هذا “الإنسان السويَ” عندهم، ويسمونه، خداعا وتضليلا: “المواطن الصالح”، فإذا هو على الحقيقة المواطن الذليل الخنوع الذي لا يعرف معروفا ولا يُنكر منكرا.. وهو في كل هذا، أي الاستبداد الغبي، لا يتعلم أن سجن الأحرار لا يحبس الفكرة ولا الكلمة ولا يقتلها..
صحيفة الأمة الالكترونية