تبييض الأموال المنهوبة زائد الثناء والعرفان!

تبييض الأموال المنهوبة زائد الثناء والعرفان!

هل سنشهد قريبا، تبييض رسمي لأموال كبار اللصوص، ونضيف لهم ثناء وعرفانا على “مساعدتهم” في إسعاف اقتصادنا، ولِم لا ترقيتهم إلى مصاف المنقذين؟ سؤال، أو تساؤل، أصبح ملحا، في خم بعض التصريحات والإيحاءات والإشارات “الرئاسية”. كيف ذلك؟
أثناء الحملة الانتخابية، صرح الرئيس المترشح، وبشكل لا لبس فيه ولا يقبل تأويلا، أنه يعرف مكان، بل أماكن، تهريب أموال الدولة المنهوبة (ومن ثم هوية أصحابها) ووعد باسترجاعها، وهي تفوق عشرات الملايير من الدولارات، حسب قوله المسجل.
لكن، “فاز” المترشح، وصار رئيسا منتخبا، ثم صمتَ صمت القبور، لم نسمع له همسا ولا تصريحا، لا عن مكان تهريب المال، ناهيك عن استرجاعها، بل في المرات القليلة التي واجهه فيها بعض الصحفيين عن وعوده، أخرج لهم ذريعة “الرئيس المسؤول” للتهرب من وعد الرئيس المترشح، متسلحا بالحجة “القانونية’”، التي لم يشير إليها ببنت شفاه عندما أطلق وعده “الانتخابي”، قائلا أن الأمر يتطلب وقت وصدور احكام قضائية نهائية قبل الشروع في إجراءات استرجاع تلك المليارات من الدولارات، وما إلى ذلك من تبريرات مألوفة مطاطية تتبخر مع وعود السراب. في رده هذا لم يتنصل فقط من وعوده بل زاد على ذلك، إذ حصر الأموال المنهوبة فقط من هم وراء القضبان، وتجاهل المائت بل والآلاف من ناهبي الملايير، الذين يتمتعون بكل حرية (بما يسقط حجة الأحكام النهائية)، بل ويستمرون في نهب المال دون حسيب أو رقيب، عن طريق مزاولة نشاطاتهم المافيوية التي استنزفت البلاد.
الأمر لم يتقف عند هذا الحد. لقد بشرنا الرئيس “المنتخب” بما هو أعظم، عند قوله بأنه من الأفضل استثمار أموال الجزائريين التي “تنتظر التوظيف”، وهي تقدر حسبه بين 6 و10 ألف مليار دينار، بدلا من الاقتراض من البنوك لأجنبية. وهنا السؤال:
إذا علمنا أن هذا المبلغ من الأموال المنهوبة يتقاطع (هل هي صدفة؟) تماما مع ما أشارت إليه عدم مصادر حول حكم الأموال المهربة، التي يُعد أصحابها بالآلاف، فمعنى ذلك، أن الرئيس المنتخب، يريد الاستعانة بالأموال المنهوبة وتبييضها رسميا، كحل “أفضل” عن الاقتراض الخارجي، أي أنه لا يكفي أن يبيض هذه الأموال التي كان يفترض أن يعاقب أصحابها وتصادر كل أموالهم، بل يريد الرئيس أن توظف هذه لأموال ويرقى أصحابها إلى مصاف الذين قدموا معروفا للدولة والشعب ويستحقون عليها الثناء و…الافراج (ربما هنا بيت القصيد الذي سكت عنه، وترك بابه مفتوحا…ليساهم أصحابها مشكورين بأموالهم “الوطنية” ولو كانت من أموال الشعب المنهوبة من قوت يومه وعياله.
كان حري بالرئيس أن يعترف بأن الاقتراض من البنوك الخارجية هو ديلل على فشل تسيير يتحمله المسيرون، أي نظام الحكم، وأن تصحيحه لا يكون من خلال تبييض أموال المنهوبة، وإنما عن طريق إقامة حكم راشد ودولة العدلة، القادرة على تسيير شؤون البلاد بكفاءة ونجاعة وشفافية ومسؤولية، وتقديم الحسابات أمام ممثلي الشعب، ليقول فيها قوله وحكمه.
هل يجهل الرئيس أن توظيف الأموال المنهوبة يحوّل أصحابها اللصوص، إلى منقذين، ويمحو عنهم صفة السرقة والإفساد، ومن ثم يشجعهم، وغيرهم، على المواصلة على نفس السبيل بل ويجرؤهم على المن على الشعب المطحون، والتعالي عليه، باعتبارهم ينقذونه من أزمته بأموالهم المبيضة رسميا. ومما لا شك فيه، أن الخطوة التالية من هذه الوصفة العبقرية في علم السياسة والاقتصاد والعدل، هو اشتداد عود الاستبداد وتفاقم حملات تكميم افواه كل معترض على هذه السياسات، لينزلوا ضيوفا من جرجة لأخرى، في الزنزانات التي يفرغها منقذي اقتصادنا بأموالنا المبيضة رسميا، بحجة الاساءة إلى المسؤولين وهيبة الدولة وتهديد الاستقرار والامن ومصلحة الوطن.
رشيد زياني شريف