من وحي الحراك !
اعتبرني أحد المعلقين وكأنني اقترفت إثما عظيما بمقارنتي الحراك بحرب التحرير. ولعله، مثل الكثيرين، مازال يعتبر هذه الحركة، الضاربة في عمق المجتمع، مجرد «صخب أطفال» (أو لعب الذرّ، كما يقال بالعامية). بالمناسبة، ألم يحن الوقت لنَكبرَ ثورةَ التحرير حتى نحقق أكثر منها في مسيراتنا التاريخية كأمة، عوض أن نبقى دائما نحس بالصغر لذكراها ونقف أمامها وقفة العابد أمام معبوده ؟ !
لقد أثبت الحراك (رغم محاولات التحريف) أنه عملية نابعة من أعماق المجتمع إلى درجة أن الكثير من الشباب الجزائري، اليوم، قد يعتبره أهم من حرب التحرير لأنه جاء في زمانهم ولم يعد يهمهم أن تُحكى لهم بطولات الماضي وهم يعيشون حاضرا مليئا بالبؤس واليأس.
هناك أمران في غاية الأهمية يجب الانتباه إليهما بخصوص الحراك. (1) كونه جاء بمثابة التتويج لسلسلة من الانتفاضات ضد نظام حكم فاسد فُرض علينا منذ الاستقلال. لقد بدأت هذه الانتفاضات، خاصة، بأحداث «الربيع البربري» سنة 1980 الذي لم يقتصر، في الحقيقة، على المطلب الأمازيغي بل جاء مندرجا في سياق أشمل، ألا وهو المطلب الديمقراطي. ثم جاءت أحداث أكتوبر وما أعقبها من حراك سياسي تواصل إلى غاية توقيف المسار الانتخابي والدخول في سنوات الدموع والدم والدمار. ومع مطلع الألفية الجديدة، تواصلت المظاهرات، لاسيما «الربيع الأسود» بمنطقة القبائل ثم الاحتجاجات المستمرة ضد العهدتين الثالثة والرابعة للرئيس المخلوع التي تواصلت على الرغم من مختلف أشكال القمع التي لجأت إليها السلطة.
(2) لقد أبهر الحراك، كما أبهرت ثورة التحرير قبله (وربما أكثر) العالم بتنظيمه وضخامته وسلميته وتواصله مهما كانت الظروف. لقد شارك في مسيرات الحراك – الذي دام أكثر من سنة ولم يتوقف إلا بسبب الوباء، من باب التحلي بالمسؤولية – مئات الآلاف من الجزائريين، رجالا ونساء، ومن مختلف الأعمار (من سنة واحدة إلى 80 سنة أو أكثر) ومن جميع شرائح المجتمع وعلى مستوى القطر كله، للمطالبة بإقامة نظام مدني (لا عسكري ولا ديني)، قاعدته المواطنة وحسن التدبير.
محمد هناد