الجزائر الجديدة 178
توهم النجاح و مأسسة الافشال…من سيفي إلى جراد.
قرأت منشور الوزير الأول عبد العزيز جراد اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي ، و لم أصدق ما قرات، و كنت أظن للوهلة الأولى أن ذلك يدخل في نطاق الأخبار الكاذبة التي يقول المقيم في قصر المرادية أنه يريد محاربتها،..
بعد ساعة و نصف الساعة من التدقيق و البحث ، و بعد نشر مختلف الصحف الموالية لمنظومة الحكم لهذه التغريدة، و التي راحت في حملة تضخيم هذه التصريحات و كأنها إنجاز عظيم من انجازات عهد “ما بعد الاستمرارية، تأكدت أنني امام استمرار مشروع “نجاح الفشل” الذي يعتبر من مميزات منظومة الحكم.
جراد تحدث بصيغة “نجحنا”، و تحدث عن النجاح في التلقيحات، و لم أفهم ذلك خاصة وأنه لا توجد اية قوة في العالم من الصين إلى ألمانيا، ومن كوريا إلى سنغافورة، و من بريطانيا إلى أمريكا قالت بهذا، و لم أفهم بالضبط عن أي نجاح يتكلم و التذبذب واضح و على كل المستويات من فيروس كورونا إلى باقي الفيروسات المزمنة التي دمرت البلاد و أنتجت طبقة من المنتفعين و الاوليغارشيا التي يقبع بعض وجوهها في السجون وهم كانوا في أعلى هرم السلطة.
الوزير الأول تحدث عما اسماه تحدي الكمامات، وهو أمر يثير الكثير من الغرابة لأنه لو قال هذا الكلام في مارس الماضي لكان مفهوما، لكن أن يقول هذا و نحن في نهاية ماي بعد مرور شهر من قول عبد المجيد تبون بأننا ستقضي على كورونا في نهاية افريل، فلا يعدو أن يكون هذا استخفافا واضحا بذكاء الجزائريين و الجزائريات. فعن أي نجاح يتحدث؟!
سيفي …لقد نجحنا… رغم العنف و الفقر و القهر
تصريحات جراد الذي كان في تسعينيات القرن الماضي في ديوان اليمين زروال و منظومة الحكم التي ألغت المسار الديمقراطي في جانفي 92، هي متطابقة مع تصريحات زميل له سابق يعرفه جيدا، وهو كان رئيسا للحكومة، إلا هو مقداد سيفي.
مقداد سيفي، في أفريل 95تقدم امام اعضاء المجلس الانتقالي انذاك، ليعرض حصيلة حكومته، في مجلس انتقالي برئاسة عبد القادر بن صالح وعضوية الكثير من الأسماء التي لاتزال موجودة إلى اليوم، من زبيدة عسول و عبد المجيد مناصرة و عبد القادر بن قرينة، و جلالي سفيان و عامر رخيلة و غيرهم الكثير الذي تحول الكثير منهم اليوم إلى دعاة “الأيديولوجية الباديسية النوفمبرية”، أو إلى مناصري مدنية الدولة.
سيفي خرج في مشهد سريالي و غير معقول ، فالبلد كان تحت رحمة صندوق النقد الدولي وهو مكبل، و في وضع خنق شامل للحريات و حالة الطوارئ و المحاكم الخاصة ، وتحت حملة كراهية غير مسبوقة ضد موقعي ارضية العقد الوطني، و خروقات واسعة لحقوق الإنسان من اختطافات و اعتقالات، و كان العنف في مستويات عالية حيث كان يقتل العشرات يوميا على المستوى الوطني، وهو خرج يخاطب الجزائريين عبر البرلمان المعين ليقول “لقد نجحنا”، وهي الكلمة التي رددها سيفي آنذاك أكثر من عشر مرات في خطاب مطول كان لا يتوقف إلا تحت تصفيقات أعضاء المجلس الانتقالي الذين كانوا سعداء بمناصبهم لان الاقتراع التشريعي لم يسمح لهم بدخول بناية شارع زيغوت يوسف.
سيفي خرج من الحكومة كما خرج غيره دون محاسبة و لا مساءلة، و ترك البلد تحت رئاسة زروال الذي ساهم في فرضه في اقتراع رئاسي تم تحت العنف و الترهيب و بمباركة سعيد سعدي و محفوظ نحناح و نورالدين بوكروح، ليأتي اويحيى كرئيس للحكومة مكانه و الذي كلف بمهام كثبرة، كانت كلها “ناجحة ” بلغة الخطاب الرسمي…
اليوم يعود جراد للتعبير مرة أخرى عن هذا النجاح، الذي ليس إلا استمرارية لتوهم النجاح و مأسسة الافشال،، فالبلد يعيش أوضاعا اقتصادية قد تكون أثارها ابشع من أزمة 86، و لا يزال يعيش تحت منظومة التخويف و التخوين، و الاعتقال و القمع، أمام مجتمع بأكمله عبر عن إرادته لبناء دولة تقصي الإقصاء و تكره الكراهية و تدفن الكذب و التضليل إلى الأبد لان الجزائر الجديدة هي جزائر القطيعة مع الأحادية و رفض الآخر و استمرار الانهيار و الانكسار.
الجزائر في 21ماي 2020
رضوان بوجمعة .