العلاج بالحرية
الأفكار لا تجابه بالسجن، والذين تزدري أفكارهم، أو تحسبهم جهلة، هم في النهاية يعتنقون فكرة مهما كانت مشوشة أو مشوهة.
نعيش في مجتمع مغلق، ويحكمنا نظام سلطوي لا يترك هوامش لممارسة الحريات، وهذا يوفر كل شروط التشوه حتى اننا قد نشعر بأن التعايش بين ما هو سائد من أفكار وتصورات وقناعات أمر مستحيل، والحقيقة أن هذا غير صحيح.
عندما تكون داعية حرية وتفرح لسجن شخص لمجرد انه تصرف بوحي من فكرة مشوهة فهذا يعني ان هناك مشكلة، ففي لحظة تزكيتك لقرار حبس صاحب فكرة لا تروق لك تكون قد بايعت النظام الذي تريد تغييره ليكون حكما، ولا طعن في شرعية الحكم، وفي اللحظة ذاتها تكون قد وافقت على أداة القمع التي تتجلى في سجن صاحب فكرة مخالفة.
ليس مطلوبا من الدولة التحكيم بين الأفكار، المطلوب منها حماية الحريات بسلطان القانون، ولهذا ستبقى الحرية فوق كل مطلب وهي شرط إطلاق عملية بناء دولة القانون.
الشاب الذي شوه غرافيتي ساحة بن بولعيد لا يستحق السجن، هو بحاجة إلى من يسمع منه ويرد عليه ضمن نقاش مفتوح، ولن يحدث هذا تحت نظام سلطوي مغلق.
سيقول كثير من الناس كيف يستقيم الحوار مع شخص بالكاد يعرف القراءة والكتابة؟ النقاش لا يكون مع فرد بعينه، بل يجب أن يتحول إلى تقليد حتى يتأسس كآلية، وعندما تفتح الأبواب والنوافذ يطرد الهواء النقي وأشعة الشمس كثيرا من الكائنات الضارة التي لا ترى بالعين المجردة.
نحن جميعا ضحايا نظام يمعن في حرماننا من التفكير الحر والتعايش في ظل الاحترام، وعلينا أن نجعل من تغيير هذا الوضع هدفا أساسيا لا تشغلنا عنه التفاصيل التي يراد لنا أن نغرق فيها.
نجيب بلحيمر