عيدنا سعيد إذا أردنا
كتب بواسطة :د. عمار جيدل / باحث وكاتب
جاء العيد والهوى في ممالك المسلمين يأمر وينهى، والاستبداد في كثير من بلدانهم بلغ المنتهى، وكيد العدو الأجنبي بمعاونة خدمه في الداخل يسلّط الأخ على أخيه، لينام هو قرير العين، لِيَكِل أمر المسلمين إليهم، فيقومون مقامه في تخريب الديار ومنع النهضة الحضارية المنتظرة بهدر الطاقات فيما لا طائل منه، وبعث المسائل الميتة المميتة من مراقدها على حين غفلة من الجمارك الفكرية المعطّلة عن الاشتغال، مما يجعل التفكير في النهضة من سابع المحال في ظل وضعنا الراهن.
إذا أردنا أن يستعيد العيد معناه الديني والإنساني والنفسي والاجتماعي، فيكون العيد دينيًّا شكرًا بعد تمام عبادة تتحقق بها القلوب وتنار بها العقول وتُرى عمارة في الأرض، ويعود في هذا اليوم مال الله الذي استودعه الغني على فقير يدعو له بحفظ النعمة من الزوال، لأنه كان أمينًا في نقل الأمانة التي استأمنه الله عليها. نفرح بالعيد حين يكون يومنا أحسن من أمسنا؛ في السياسة والتربية والتعليم والاقتصاد والاجتماع، وتستعيد أمتنا الصدارة الحضارية، ويعود مال الأمة على الأمة…
نسعد بالعيد عندما يقدّم خيارنا في كلّ شيء، نسعد به عندما تكون الكفاءة المعرفية والأهلية الأخلاقية معيارًا للتقديم، نسعد عندما يستعيد المجتمع المبادرة التي تتوافق مع الأوامر الإلهية في كل شؤون الحياة، نسعد حينما تسعفنا شهواتنا فنتحرر من قبول السَوم، فضلاً عن الترشّح للبيع أمة وشعبًا حكامًا ومحكومين، نصرّح بملء فينا وبكّل قوة أننا لسنا أمة للبيع، وأننا أمة لا تقبل الضيم والإذلال. من ظنّ أنّ الشعوب والمجتمعات قد تسعد بما لا يُسْعد، فهو مجانب للصواب، مخالف لما أرشدت إليه الألباب، منازع لما درجت عليه سنة (قوانين) رب الأرباب.
الأمم لا تسعدها الآلام والشجون إلا إذا تعطّلت فيها العقول والقلوب باللهو المجون، وطمست المواهب بفعل القرب من المحلي أو الأجنبي من الكانون (الموقد رمز الدفء)، واندثرت فيهم المروءة، وقلبت فيهم الموازين، فصار التحريش بين أهل الوطن الواحد في الصحافة مهنية وحصافة، وتعريض وحدة المجتمع والأمة للخطر سياسة، وتزعّم أردَءِ السفلة نباهة، وتقدّم من خلاق له كياسة (…) حتى أصبحت الروائح التي تزكم الأنوف مقدمة لما لها من نفاسة (…)، الأمم لا تسعد إذا كانت لغة التواصل المخلب والظفر والناب، والميل الصريح عن كل قول صواب، لأنه صدر عن (مشاغب كذّاب)، الأمم لا تسعد بتعطيل إرادتها بمزيّف من الانتخاب، أو حيل (دهاء)ساسة لأجل أن تهنأ الأمة بطول غياب، في تعمير الأرض والمراقبة والحساب، لا يرتاح لها بال حتى تراقب الكلّ حتى البواب.
عيدنا سعيد إذا نوينا بحق وصدق ثم فعّلنا وشغّلنا تلك النية في شعاب الحياة، فيتحول حالنا إلى أحسن حال، فيكون يومنا تصميمًا على ترك التخلّف بكل أشكاله وألوانه، فنطرده من تعليمنا ومشهدنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، التخلّف وفق المعايير الإنسانية الجامعة.
هل يقبل من يريد أن تكون أمته على أفضل حال إيمانًا وأمنًا واستقرارًا وتنمية، بالدونية، ورأس ما يصنعها وفق المتفق عليه بين العقلاء، عُبَّاد ذواتهم بعنوان حبّ الأمة والوطن، فيخاطرون بالأمة لأجل الحفاظ على حطام زائل من الدنيا، لأن حب الوطن والأمة لها مقتضيات جلية، تتجلى في أن تبذل لهما كل ما تقوى عليه من غير انتظار عِوَض، ومن بذل لأجل انتظار العوض، فهو محب للعوض لا للوطن.
عيدنا سعيد إذا أردنا، فهل نسترد إرادة السعادة؟ ونكتشف آليات تفعيلها وتشغيلها في شعاب الحياة، فنسعد بأيام هَنيّة في التعليم والتربية والسياسة والاقتصاد ثم تتوج بالبعث الحضاري للأمة، وأمة هذا شأنها تنأى بنفسها من أن تبقى أمة للفرجة (تتفرج عليها الأمم لأنها أشبه بالبهلوان)، لتتحول وفق سنن التغيير إلى أمة الشهادة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(البقرة:143)، من فكّر ونوى وعمل على إسعاد يومه، فغده من جنسه إن داوم عليه، وهذا نتمنى أن نكون معه ومنه، ونقول له عيدك القادم سعيد، لأن السعادة اكتساب، “إنّما هي أعملنا ردّت إلينا”… وإلى عيد آخر.