لحراك أعاد للجزائريين كرامتهم

الحراك أعاد للجزائريين كرامتهم، هذا شعور الملايين هنا والملايين من ابناء هذا الوطن الذين اضطرتهم الظروف لمغادرته والعيش في الشتات.
محمود بلحيمر أحد هؤلاء يخبرنا عما يعنيه له الحراك الذي يتابع تفاصيله أولا بأول من إقامته البعيدة في واشنطن

**********

لولا الحراك لواصل الكثير من الناس التبوّل في سراويلهم كلّما سمعوا اسم السعيد.

بالنسبة لي لا مقال يُنشر في “الواشنطن تايمز” ولا وثائقي يُبث في قناة فرنسية ولا أي عمل إعلامي أو دعائي يُغير من موقفي تجاه الوضع في بلادي الجزائر. أعرف مجتمعي جيدا، نقطة إلى السطر. أتابع من باب الفضول ما يصدر عن وسائل الإعلام الفرنسية والأميركية والخليجية لكن ذلك لا يؤثر في فهمي للوضع، ولن يغير موقفي من الحراك إطلاقا.
المجد للحراك. المجد لأولئك الذين واجهوا الاستبداد بصدور عارية يوم انطلاق الحراك وفي التظاهرات والنضالات التي سبقته. يجب ألا ننسى؛ فالجزائريون انتفضوا في فبراير 2019 ضد الاستبداد وويلاته ورموزه، انتفضوا بوعي ضد نظام سياسي متعفن أعماه الفساد فصار يشكل خطرا على أمن البلاد.
ينبغي ألا ننسى أبدا أن عبد العزيز بوتفليقة كان هو رمز هذا النظام، بناه بعناية فائقة خلال عقدين من الزمن بمعية جنرالات الجيش الأقوياء الذي أوقفوا المسار الانتخابي في 1992 وأسسوا نظاما تسلطيا له آلياته وفاعليه وزبائنه وخدمه ومدّاحيه إلخ، وعموما هو نظام سالب للحرية وللكرامة، حامل لمؤشرات الفشل والصدام المحتوم، خائن لثورة التحرير ولتطلعات الجزائريين في العيش الكريم. ينبغي أن نستحضر صورة وضعنا في بداية 2019؛ رئيس مريض لم يكلم شعبه لسنوات، وعصابة من السياسيين والعسكريين وبارونات الفساد تقتسم ثروات البلاد وتهرب الأموال للخارج، والبلاد في عطالة تامة وأزماتها تتفاقم، والغريب أن الكل، بمن فيهم قائد اركان الجيش المرحوم قايد صالح ورؤساء الحكومات مثل أحمد أويحيى وعبد المالك سلال والقادة السياسيين والأمنيين والإعلاميين إلخ، الكل يُؤتمر بأمر “وحد القط” اسمه السعيد بوتفليقة.. الذي كان يقرر مصير البلاد ومستقبلها، ولم يجرؤ أحدٌ على أن يقول له قف. لولا الحراك لواصل السعيد وجماعته تدمير البلاد إلى اليوم، ولواصل الكثير من الناس السجود لـ”كادربوتفليقة” ولواصلت جماعة بوشوارب وعُلمي وحداد وطحكوت النهب والفساد. ولواصل الكثير ممن حرّرهم الحراك اليوم التبوّل في سراويلهم كلّما سمعوا اسم السعيد. ولهذا أقول المجد للحراك، اليوم وغدا، فلولاه لما تحرر الجميع.
نظريات المؤامرة، والصوّر النمطية التقليدية عن مجتمعنا، لاسيما تلك التي تصورنا بالعطشى جنسيا، ومحاولات الاحتواء المختلفة، وإثارة النعرات الجهوية والنقاشات العقيمة عن الهوية والدين… كلها نقاشات خاطئة وخارجة عن الموضوع الرئيسي، الذي هو كالتالي: حاليا نحن في مرحلة انتقالية لبناء نظام سياسي يخلف نظام بوتفليقة. السؤال المطروح كيف سيُبنى هذا النظام وهل سيستجيب ولو لجزء بسيط من تطلعات الجزائريين المعبّر عنها في الحراك؟ أعتقد أن الكثير منّا يعرف الإجابة أو جزءا منها.
السلطة الفعلية حسمت الأمر منذ عهد القايد صالح ولا تريد الذهاب لمرحلة انتقالية حقيقية لبناء نظام سياسي جديد، مبررة ذلك بالمخاطر التي يحملها هذا التوجه على الاستقرار، لكنها، في المقابل، اختارت نهج إعادة ترميم النظام بالاحتفاظ بنفس آلياته وفلسفته في الحكم، مع ترميمات شكلية لن يكون له أي اثر على مخرجات النظام. السلطة ترى نفسها أنها قادرة على القيام بذلك في ظل الحجر الصحي الذي حيّد ضغط الشارع تماما (الحراك) وفي ظل غياب معارضة الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين الآخرين (علما أن معظم الأحزاب والجمعيات كانت صورية منذ التسعينيات). الجانب الآخر، الجزائر تواجه وضعا اقتصاديا صعبا بسبب؛ أولا المخلفات الكارثية لنظام بوتفليقة، وثانيا تراجع اسعار النفط بسبب وباء كورونا، وهذه الوضع يتطلب مخططا استعجاليا للحفاظ على الاستقرار.

Mahmoud Belhimer