حملة “فرانس 5” المعادية للحراك…ما هو أبعد من التشويه

حملة “فرانس 5” المعادية للحراك…ما هو أبعد من التشويه


كثير من التقارير التي نسمعها ونقرأها زائفة، وتحتوي على معلومات مضللة للرأي العام، وهنا الحديث عن الإعلام الفرنسي الذي يعاني بشكل فعلي فساداً حقيقياً، وتتضح بعض جوانبه في الحملات الإعلامية الموجهة التشويهية، (ومنها ضد الحراك الشعبي السلمي) في حالة من التناغم بين دوائر القرار في الجزائر وباريس، فكأنما استعانت الأولى بالثانية في حربها الشاملة ضد الحراك الشعبي السلمي. فمن يومين، اتهمت قناة “كنال ألجيري” المحلية العمومية الحراك بأنه تم الإعداد له في مخابر باريس، واليوم خرجت “فرانس 5” لتكمل الحملة التشويهية التضليلية.

وهناك متخصصون متنفذون في لعبة التشويه، يعملون لأجل تغيير الحقائق، باعتماد الحيل القذرة التي يستخدمها منظمو الحملات الدعائية المغرضة، ووراء معظم القصص السياسية التشويهية توجد “أجندة” خاصة.

وخدعة التشويه غالباً ما تقوم على بعض من أجزاء الحقيقة، ولكن التقارير الإعلامية المضللة مصممة لحجب الحقيقة، إذ يجب أن يبدو الأمر خلافا لواقع الحال، ولا شيء يحدث عن طريق الصدفة، فثمة تواطؤ لإخفاء حقائق ناطقة وتقديم روايات معينة، وقد تأسس “بزنس حملات التشويه” في خلال العقدين الماضيين، حتى بلغ مستوى عالياً في الوقت الراهن.

وغالبا ما تكون القصة السياسية مجموعة متشابكة من الاتهامات التي لا يمكن تصورها، كما هو حال “الفيلم الوثائفي” المُضلل للقناة الفرنسية الخامسة “فرنس 5” عن الحراك، الذي بُثَ أمس، والقصة المختلقة مملوءة بأسماء أماكن وأشخاص حقيقيين، ولكنها تقطر تضليلا وتشويها، وصورت الحراك كما لو أنه اختراع “مجموعة متهتكة مُنحلة أخلاقيا” من الشباب التافه المكبوت جنسيا. ولا يُعقل أن هذا “الفيلم الدعائي المضلل” لا تعلم عنه وزارة الإعلام أو مصالح الرقابة الأمنية، وهنا يقفز تساؤل مهم: أين سلطة القرار من القصة المحبوكة التي نُسجت داخل البلد؟ أم ثمة استعانة واستنجاد بآلة التشويه الفرنسية بعد أن عجزت المحلية على كثرة قنواتها ومنابرها الدعائية.

والأدوات والأساليب في حملات التشويه تطورت من المدرسة القديمة إلى التكنولوجيا الفائقة. ففي “بزنس حملات التشويه” يمكن للقائمين عليها والنافخين في كيرها أن يُشعلوا حرائق هائلة بعود صغير جداً، وهو أداة جديدة الآن.

وحملة تشويه هي جهد مُضلل للتلاعب بالرأي عن طريق نشر روايات فضائحية ومؤذية ومبالغ فيها عن قصة أو قضية ما. والهدف غالباً ما يكون لأجل تدمير أفكار موجودة عنها وجعلها معكوسة. وكثير من هذا التلاعب قد يتم عبر طرق مخفية تماماً للمستهلك العام، فالقوى المدفوع لها تبتكر طرقاً سرية ذكية لصياغة المشهد الإعلامي العام بطرق لا يمكنك تخيلها. هدفهم هو خداع المشاهد. والأفكار العامة تكون محبوكة ومدبرة بدقة لتظهر وكأنها عشوائية.

ومن سماتها، على لسان أحد صناعها، أنه يجب أن تكون الحملة مثيرة للاهتمام، ويُفضل أن تكون بذيئة. أي شيء يتعلق بمواد الصحف الشعبية مثل الإثارة أو التلميحات الجنسية والتهتك. ثانياً: يجب أن يتم توضيح حملة تشويه السمعة وشرحها في جملة أو جملتين. حتى إنه من الأفضل أن يتم اختزالها في عبارة لافتة، مثل “الجزائر حبيبتي” حول الحراك الشعبي في الجزائر. وأخيراً، يجب أن تعزز حملات التشويه الشكوك والطعن فيما يريد الناس أن يصدقوه.

والأهم، أنها مرتبطة بدوائر نافذة، صاحبة قرار، لخدمة توجهات مشبوهة، تخدم مصالح سياسية، فبرنامج “فرانس5” عن الحراك يأتي بثه منسجما ومتناغما مع حاجة دوائر القرار في الجزائر إلى الدعم السياسي الفرنسي في هذا الظرف المتقلب المهزوز، واستغلال باريس لهذا الوضع السلطوي لجني مكاسب وتعزيز مصالحها وتوثيق الارتباط، فالتقت مصالح أطراف مؤثرة في البلدين لتمرير رسائل تشويهية مضللة عن الحراك الشعبي السلمي الضاغط، إذ يبقى رهان القوى الاستعمارية في مستعمراتها السابقة أو في مناطق نفوذها، عموما، على من يخدم مصالحها السياسي والاقتصادية والإستراتيجية حتى وإن كان غارقا في التسلط والتخلف والانحطاط السياسي، ولم تكن يوما ترى في النهوض الشعبي خيارا مشجعا، فمصالحها دائما مرتبطة بمن ينفذ إرادتها ويتملقها وينافقها ويرسخ التبعية المذلة.

صحيفة الأمة الإلكترونية