الجزائر الجديدة 180
الموظف السياسي ومهمة قتل السياسة!
“إن قيادة الحزب كالقطار، بحاجة إلى سكتين، واحدة سياسية والثانية ايديولوجية، وإذا أكثر القطار من المنعرجات فإنه سينقلب، ومشكل الأحزاب الجزائرية هي أن أكثريتها لديها قيادات يسيطر عليها النواب والوزراء، وهذه الفئة تفضل الكراسي والريوع على مصلحة الحزب”.
هذا مقتطف من حوار أجريناه مع المجاهد والدبلوماسي امحمد يزيد، نشر في جريدة “اليوم” في ربيع 1999، عشية إعلان الراحل محفوظ نحناح مساندة حركته السياسية لمن وصفه آنذاك ب “المجاهد الأكبر والدبلوماسي المحنك عبد العزيز بوتفليقة”.
امحمد يزيد قال هذا بعدما اندهش من انقلاب محفوظ نحناح الذي خلف وعده بمساندة المترشح مولود حمروش، وفي انتقاده لمن خلف وعده حسبه، عاد امحمد يزيد لجزء من مسار نحناح، وانتقد أداء حزبه واداء الأحزاب الجزائرية في غالبيتها، والتي حولت الأحزاب إلى لجان مساندة عوض التنافس على تقديم مرشحين وإنتاج أفكار وتكوين إطارات.
الموظف السياسي.. من الحزب إلى الولاية، إلى الوزارة .. إلى القصر الرئاسي
تصريحات امحمد يزيد بعد عشرين سنة، تجد الكثير من تجلياتها ومؤشراتها في كل الأجهزة الحزبية، فإن حركة حمس تحولت بسبب موظفي السياسة من النواب والوزراء وغيرهم إلى مصدر للكثير من الانشقاقات، بدليل أن هذا الحزب عرف العديد من الهزات، وولدت من رحم الريع أكثر من أربع أحزاب بعض قيادييها في السجن وبعضهم محل متابعة، في حين يبحث باقي القيادات عن تموقع جديد للحصول على الريع في ظل المخاض الشعبي، لذلك تجدهم يتسابقون في كل الاتجاهات للمشاركة في إجهاض الوعي الشعبي وكسر وتفتيت الحراك الشعبي من أجل إنقاذ النظام الريعي…
كما أن كل الأجهزة الحزبية الأخرى عرفت صراعات وانقسامات بين وزراء ونواب ومنتخبين محليين، يريدون المحافظة على مصالحهم وريوعهم، وأسماء أخرى هدفها أخذ مكانهم، لذلك تحولت هذه الأجهزة إلى مجال لكل الموظفين السياسيين الباحثين عن الريع، يكفي في هذا المجال إجراء بحث امبريقي لكشف عدد الموظفين السياسيين في كل المستويات من الأجهزة الحزبية إلى كل صالونات السلطة، لنكتشف حجم الضرر الذي أدى إلى استئصال الفعل السياسي المنظم في المجتمع، إذ تحولت الأجهزة الحزبية وغالبية أجهزة السلطة إلى قبلة كل الموظفين الذين يعيشون من الريع، فكم من نائب في البرلمان لم يعش يوما واحدا في حياته من عرق عمله قبل دخوله البرلمان، وكم من وزير لم يعمل في حياته، وكم من مسؤول حزب لم يعرف معنى العمل، وكم من اسم تحول من حزب إلى آخر بسبب القائمة الانتخابية ومنافعها… وغيرها من المعطيات..
هؤلاء الذين يعيشون من الممارسة السياسية ويختصرون الفعل السياسي في الحصول على الريع، قتلوا فكرة النضال والسياسة في المجتمع، وكل هذا نتيجة خيار نسقي، بدليل أن التعيين في أعلى مناصب المسؤولية السياسية أصبح ممارسة ضمن “موظف” الوظيفة العمومية، فالاستوزار مثلا أصبح بابا يدخله رؤساء الدوائر والولاة، ولذلك غرق الكثير منهم في التسابق على توزيع العقارات والمصالح، ومن أجل تزوير كل الانتخابات بغرض إرضاء من يملكون سلطة التعيين في المناصب السياسية السامية.
موظفو السياسة موجودون في الأجهزة الحزبية وفي أجهزة الدولة، وهم ولاة ووزراء ورؤساء حكومات، بل إن الاقتراع الرئاسي الأخير فرض موظفا سياسيا في القصر الرئاسي، وهو آخر ما وصل إليه الموظف السياسي، الذي فجر وأضعف الأجهزة السياسية، وغرس الرداءة والولاء في كل أجهزة الدولة، لأن الموظف السياسي هو سلاح دمار شامل يقتل السياسة ويستأصلها من المجتمع، كما يغرس الفساد والريع والرداءة والولاء ويضع لهما جذور أكبر وأعمق من جذور أشجار البلوط، وهي الجذور التي تقضي على جذور كل الأشجار المثمرة، الجذور التي تقتل السياسة وتلهب نيران الفتن في الأوطان كما يلهب الهشيم النار في أشجار البلوط، فمتى تحدث القطيعة مع الموظف السياسي الذي قتل السياسة، ونفتح المجتمع على النضال السياسي الذي يبني السياسة وينتج الأفكار ويبني الحزب والدولة.
رضوان بوجمعة
الجزائر في 12 جوان 2020