كأنه “ساحة معركة”…تضخم “العسكرة” شُؤم ووبال على البلد
ولَدت عقودا من الاستبداد نمطا فظا من العسكرة وتقديسا مفرطًا للقوة والشرطة المناهضة للحركة الرفض الشعبي، بما يكرس الحكم المطلق وسياسات القمع الأمني..ولهذا تجد العقل الأمني مشدودا إلى هاجس “السيطرة على ساحة المعركة”، كأنما البلد يخوض حربا شرسة، ولكنه وصف دقيق لسياسات قمع وإجهاض كل حركة احتجاج شعبية رافضة لحكم التسلط والقهر السياسي، فتتضخم “العسكرة” وتكون وبالا وشُؤما على البلد وحريته وكرامته.
ولا يمكن لأي بلد أن يحقق قدرا من التماسك والنهوض في خضم الحرب المستمرة ضد حركة الرفض الشعبي، و”العسكرة” تُبرَر نفسها وتولَد نفسها، وقامعة لكل حرية ومحطمة للمجتمع ومدمرة للحياة..وإذا اعتبرت الغرفة الأمنية مناطق الحراك ساحة معركة مُغلقة، فهذا ناتج عن معاملة حركة الرفض الشعبي بمنطق الحرب والاستعداء، والتعامل مع مناطق الاحتجاج ومدن الحراك كما لو أنها “ساحات معارك” أمر بالغ الخطورة يعكس تضخم “العسكرة”..
وقد وجَه العقل الأمني تجربته في العمل الشرطي لصياغة إستراتيجيات مكافحة ما يوصف بـ”التمرد الشعبي”، فاعتمد المراقبة الجماعية غير المبررة، وتوسيع حدود صلاحيات أقسام الشرطة وتضخيم حضورها. وتدفقت التقنيات والأساليب والعقليات الموجهة لقمع الحركة الشعبية السلمية، ويتحدث خبراء في الأمن الداخلي عن “شبكة معقدة من الحروب الحضرية”، فتحول البلد إلى “ثكنة” كبيرة، يصبح على أخبار الاعتقالات والاستدعاءات ويمسي على شُؤم الحبس والتمديد.
البلد ليس ساحة حرب داخلية، ومن صنع من الحراك الشعبي السلمي “عدوا” داخليا إنما يريد تضخيم وتمديد “العسكرة” وبسط سيطرتها على الحياة كلها، بحيث لا تُسأل عما تفعل وما دونها يُسألون ويراقبون ويُخضعون.
صحيفة الأمة الالكترونية