الحوار الخطيئة في التوقيت الخطأ
إلى من توجه عبد المجيد تبون بحديثه في فرانس 24؟ السؤال تفرضه المناسبة.
من الناحية الرمزية يعتبر ما أقدم عليه تبون أمرا غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة، فعشية الاحتفال بعيد الاستقلال الذي دفع الجزائريون ثمنه غاليا، لم يكن من المناسب أبدا الظهور في قناة عمومية فرنسية تعتبرها السلطة الجزائرية ناطقة باسم الدولة الفرنسية، وأقدمت على مقاضاتها من هذا المنطلق.
إذا كان الكلام موجها الى الفرنسيين فمن غير اللائق التوجه إلى الخارج قبل الداخل في هذا اليوم بالذات، وإذا كان الكلام موجها إلى الداخل فما كان ليكون عبر وسيلة إعلام أجنبية، وفرنسية تحديدا، ثم ماذا عساه يقول في خطاب إلى الأمة بعد كل ما قاله؟
عيد الاستقلال يحمل دلالة قوية على عزيمة الجزائريين في القطع نهائيا مع النظام الاستعماري الذي يمثل جريمة ضد الإنسانية، ورغم أن الماضي لا يمكنه أن يعيق توجهنا نحو المستقبل ببناء علاقة طبيعية مع فرنسا فإن هذا لا يستلزم التفريط في رمزية الاستقلال الذي يعني في هذا اليوم بالذات التوجه حصرا إلى الجزائريين.
تفصيل آخر لا يقل أهمية وهو أن هذا الظهور عبر فرانس 24 جاء والجزائريون يستذكرون ثمن سيادتهم الذي لخصته اليوم جماجم الشهداء المقاومين التي انتظرت 170 عاما لتنال حقها في معانقة الأرض التي بذل أصحابها النفس دفاعا عنها، والحوار يحول المسألة كلها إلى مسعى لإصلاح العلاقة مع فرنسا في حين ان حقيقته اكبر من ذلك.. عودة الشهداء نصر نهائي للإنسانية وإدانة لا تقبل الطعن للنظام الاستعماري بصفته جريمة ضد الإنسانية. كل هذا داس عليه الظهور على فرانس 24 وبلغ الأمر مداه عندما تمنى تبون أن تقدم فرنسا على خطوات أخرى وكأن الأمر منة منها.
لا أعرف أي رسالة أراد أن يوجهها من برمج هذا الحوار في هذا التوقيت بعد حملات إعلامية مركزة ضد فرنسا، وفي ظل استثارة الشعور الوطني، غير أن قراءة أي أجنبي لما بث عبر القناة الفرنسية لا يمكنها أن تتجاهل فكرة أن “الجزائر الجديدة” باتت أكثر حماسا للتقرب من فرنسا وأن حماسها ينسيها أهمية الرمزيات في تاريخ الأمم.
عشية عيد الاستقلال يتحدث تبون لقناة فرنسية عن أبناء الوطن المسجونين، ويعرض كل القضايا التي يجلب تناولها من قبل الصحافيين تهمة العمالة، وقد يلصق صفة “الخبارجي” بأحدهم كما حدث لخالد درارني الذي نسي تبون أنه هو من انتزع من ماكرون وصف الاستعمار بالجريمة ضد الإنسانية لأنه حمل رسالة عمه الشهيد دون عقدة.
بقي أن نذكر القائمين على سمعة الجزائر، المحتكرين لتاريخها المجيد، أن الصين، وهي حليفهم ومثلهم الأعلى، لا تمل من إرغام اليابانيين على تكرار الاعتذار عما اقترفوه في حق الصين عندما تجرؤوا على احتلالها.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
بقلم نجيب بلحيمر Nadjib Belhimer