حراك الشعب وحراك القصر

حراك الشعب وحراك القصر

لا شك لاحظتم شراسة الهجوم على الحراك في الآونة الأخيرة، وخاصة أثناء “الهدنة الصحية” ولم يفتكم تعدد التهم وتنوعها، من كل الأطياف، كل مهلا، قليل من التريث، والتثبت، هذه الملهيات مجرد محاولات بائسة لصد أنظارنا وإشغالنا عن جوهر معركتنا، ولكي نفهم سر توقيت هذا التصعيد والتكالب على الحراك وأهله، من المفيد بعض التوضيح لعله يساعد على فهم الموضوع.

ثمة فرق بين ثورة التغيير وثورة القصر. المطالبون بالتغيير لم يكن خروجهم للشارع تحقيقا لمصالح خاصة أو استبدال جزء من العصابة بأخرى، ولم يكن نهاية مطلبهم ذهاب رئيس”منتهي” أصلا تستعمله عصابة تحكم باسمه، بل خرجوا من أجل إنقاذ وطن، عن طريق تغيير جذري، يضع حدا لمنظومة الفساد برمتها، تغيير لا يتوقف عند عتبة تغيير واجهة السلطة، في حين، الذين ركبوا قاطرة ثورة القصر (بعد أسابيع من انطلاقة قاطرة التغيير الشعبي) كان هدفهم، استغلال تذمر الشعب من العهدة الخامسة، لترويض هذه الفورة الشعبية، وامتطائها، لكي يحلوا محل عصابة العهدة الخامسة. ولا يخفى عنا أن “ثوار القصر” كانوا في معظمهم، من أكبر داعمي منظومة بوتفليقة في عهداتها الأربعة، بل وحتى من المشاركين في ولائم التحضير للعهدة الخامسة قبل أيام قليلة من 22 فبراير، لينزلوا بعد ذلك من السفينة الغارقة، عندما أدركوا أن الشعب قد عزم أمره و لن يسمح بها هذه المرة.
السواد الأعظم من الشعب خاضوا غمار ثورة التغيير منذ انطلاقتها، يوم 22 فبراير 2019 ولا زالوا على العهد، ومصرون على عدم التوقف ما لم تتحقق مطالبهم الجوهرية “إقامة دولة مدنية، دولة العدل والقانون، يعود فيها العسكر والمخابرات والأمن، إلى وظيفتهم الدستورية، ولا يتدخلون في تسيير شؤون الدولة، ويخضعون لرقابة وإشراف قوى سياسية مدنية منتخبة”؛ من الجهة الأخرى، لدينا من توّقف “حراكه” (ثوار القصر) أواخر مارس وبداية ابريل 2019، عندما “سقط” الصنم المحنط، وتمّ الزج ببعض رموز نظامه من العصابة إلى السجن. اعتبر هذا الفريق من “الحراكيين” أن “الهدف” قد تحقق، بإنهاء “العهدة 5″، لأنه لم يكن يهمهم في واقع الأمر من الحراك، سوى “مرافقته” مرحليا، ليخلصهم من بوتفليقة (الورقة المستنفدة)، ومحيطه الضيق، وليس من الصدفة أن نجد جلهم اليوم إما في أجهزة “السلطة الجديدة” أو من الذين يتوّددون إليها، ويلمعون صورتها ويبررون إخفاقاتها، طمعا في مقايضة “دعمهم لها”، بفتات مناصب، فضلا على أن جميعهم ساندوا ودعوا انتخابات 12 ديسمبر 2019.

إن تفسير “انقلاب” موقف هذه الفئة، من مرافق للحراك إلى متهم له، وشنهم حربا شرسة عليه، يعود سببه ببساطة، إلى حقدهم على كل من واصل النضال في الحراك بعد سقوط الصنم، وإدراك أصحاب ثورة القصر أن مطالب الشعب أشمل وأعمق، ولا يستطيعون التحكم فيها، ولن تتوقف ثروتهم السلمية عند تغييرات شكلية، بل ستشملهم، متى اطمئن أهل الحراك على سلامة النفوس وضمان عافيتها من جائحة كورونا، لأنتهم يشكلون هم أيضا جزءً من منظومة الفساد، الأمر الذي جعلهم، يستنفرون قواهم وأجهزتهم ومنابرهم وكل وسائلهم، بدء بالتشكيك في الحراك وفي رجاله ومقاصده، ثم اتهماه بانحرافه عن المسار (أي خروجه عن سيطرتهم) وربطه بجهات خارجية، أو خدمة أجندة، تارة “علمانية” وتارة إسلامية !!!
رشيد زياني شريف