كورونا الذي أفسد الصورة!
منذ أيام طغى السواد على فيسبوك، صرت أقرأ نعي الناس لأحبتهم وأكتب عبارات مواساة أكثر مما أفعل شيئا آخر هنا.
الأرقام الرسمية التي تعلنها وزارة الصحة عن أعداد الإصابات اليومية بكورونا بلغت أعلى مستوياتها، وفي الواقع يرسم لنا الأطباء والممرضون وجميع منتسبي قطاع الصحة صورة أشد قتامة، وعلى صفحات فيسبوك نتعثر يوميا بشهادات صادمة عن حقيفة الوضع. شهادات يتحدى أصحابها تحذيرات السلطات وقرارات اعتقال من يتحدثون عن حقيقة قطاع الصحى بدعوى محاربة الأخبار الكاذبة.
يصدم جزائري بالظروف التي يواجهها عندما يضطره المرض إلى الذهاب إلى المستشفى، ويتخلى عن الحذر عندما يفقد عزيزا عليه لأنه لم يجد الأكسجين في مستشفيات قال له الرسميون إنها جزء من أفضل منظومة صحية في إفريقيا، وفي لحظة غضب يشغل كاميرا الفيديو يصور الواقع ويقول شهادته، لعله قدر في تلك اللحظة أن من يتابعون الوضع من مكاتبهم فاتهم بعض الحقيقة ووجب تنبيههم لاتخاذ ما يلزم.
منذ أيام أتابع ما يكتبه أصدقاء من بسكرة ووادي سوف وباتنة، وشهادت فيديوهات من مناطق مختلفة من الجزائر، شعرت بالأسى، لكن الحقيقة أن ما يجري كان متوقعا بالنظر إلى وضعنا، فقط كنا نمني النفس بأن الوباء مر من هنا سريعا وبأخف الأضرار. تسجيل النقاط السياسية على نظام متهالك لا يساوي شيئا أمام أرواح عزيزة كانت تستحق عناية وجدية أكبر في توفير شروط التكفل بها، ولا فرق هنا بين المرضى والمكافحين من أطباء وممرضين وعاملين في قطاع الصحة.
اعتقل الأستاذ الجامعي فارس شرف الدين شكري لأنه نقل بأسى جانبا من مأساة بسكرة، وبرأي من قرروا اعتقاله فإن ما قاله قد يثير الفوضى وغضب الناس أو قد يشوه صورة الدولة. الحقيقة أن صورة الدولة تتشوه عندما تكون الحقيقة مناقضة لما يرسمه الخطاب الرسمي، فالصورة أبلغ من ألف خطاب.
لقد فضلت الحكومة الاقناع بالخطاب على العمل الميداني، وجعلت إسكات الحقيقة أولويتها بدل أن تجتهد في جعل هذه الحقيقة أكثر قبولا لدى الناس.
كورونا ينهش مصداقية الخطاب الرسمي، ويعمق الشرخ بين النظام والمجتمع، ولا يترك من أثر السلطة إلا صورة الفشل الذي يراد له أن يتوارى عن الأنظار بهراوة القمع والتخويف بالحبس.
نجيب بلحيمر