الجزائر الجديدة 183
الاستمرار في التسيير الإداري والأمني للإعلام..
خرج عمار بلحيمر وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم، ببيان مطول فيه أكثر من 800 كلمة، بيان فيه رد على صحيفة ليبرتي لمالكها اسعد ربراب، وفيه تحذير مباشر للصحفيين – دون إشارة لمالكها – على كل ما تعتبره الوزارة تهويلا في متابعة جائحة كورونا..
البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية باللغة الفرنسية قبل أن انشر ترجمة له أكثر من ثلاث ساعات بعد ذلك، يطرح أكثر من إشكال من الناحية الشكلية ومن حيث المضمون، وهي ملاحظات تؤكد شيء واحد فقط وهو حالة التخبط التي تعيشها الحكومة على كل المستويات، والتي تريد إخفاء فشلها في مواجهة الوباء بسن حملات بروباغوندا ضد الشعب تارة وباختلاق أعداء وهميين تارة أخرى.
بلحيمر ناطق باسم الحكومة أو باسم الرئاسة؟
هذا أول سؤال يطرحه أي قارئ للبيان، فأول جملة في البيان يتحدث فيها عمار بلحيمر عن عبد المجيد تبون وباسمه يقول إن تبون يوجد في مقدمة المحاربين لوباء كورونا، ويؤكد أن نزيل المرادية من الذين انتقدوا أداء لجنة متابعة الوباء.. فهل نسي بلحيمر بأنه ناطق باسم الحكومة بأن جراد هو وزيره الأول وليس تبون، أم أن تقليد تجديد البيعة و الولاء للرئيس الذي ترسخ في عهد بوتفليقة حول قصر الدكتور سعدان إلى جعجعة دون طحين.
هذا التداخل وانعدام ثقافة الدولة ليس جديدا، وليس مرتبطا بعمار بلحيمر فقط، بل حتى الناطق باسم الرئاسة سبق له في ندوات صحفية ان تحدث عن اتصالات له بوزير الداخلية ووزير الصحة، رغم أنه لا يملك الصفة للقيام بذلك، والوزراء وزيرهم الأول هو عبد العزيز جراد وليس محمد السعيد.
الملاحظة الشكلية الثانية للبيان، وهو أن النص كان من المفروض أن يتوجه إلى الجهة التي نشرت ما اعتبرته الوزارة تمويلا وكذبا وتضليلا، وهي جريدة “ليبرتي”، وهو من الناحية القانونية يعتبر ممارسة لحق الرد الذي تمارسه الوزارة باسم الحكومة وليس باسم شخص تبون، فلماذا خرق هذا المبدأ من الناحية الشكلية القانونية، والوزير يعرف أحسن من غيره ربما أهمية الشكل في احترام الإجراءات القانونية.
الملاحظة الشكلية الثالثة، وهو أن الوزير خاطب الصحفيين كل الصحفيين ومن ضمنهم صحفيي ليبرتي بصيغة، “فمهنتنا”، بمعنى أن الوزير يتحدث بصفة الصحفي، وهو وزير فلماذا هذا الخلط، وهل يمكن أن تكون وزيرا تمارس الاتصال والدعاية وتلقي دروسا في مهنة الصحافة، وصحفيا في الوقت نفسه تلبس جبة أستاذ الصحافة، وتخطب في الناس عن الأخلاقيات الصحفية، وأنت في منظومة هي نتاج عدم احترام الحد الأدنى من الأخلاقيات السياسبة.
من البيان الوزاري المشترك في التسعينيات إلى تعليمات بلحيمر في 2020
أما عن مضمون البيان، فأقل ما يقال عنه أنه جاء بمجموعة من التعليمات التي ذكرتني لما قرأتها، بالتعليمة الوزارية المشتركة بين وزارتي الداخلية والاتصال في تسعينيات القرن الماضي، والتي استندت على مرسوم حالة الطوارىء ومرسوم مكافحة الإرهاب من أجل فرض تعليمات تحريرية في معالجة الخبر الأمني، وهو ما طبقته حرفيا غالبية وسائل الإعلام مقابل استفادتها من الريع الإشهاري، وهي التعليمة التي رسّمت التسيير الإداري والأمني للاعلام، لما يقارب 30 سنة..
عمار بلحيمر استند في تعليماته اليوم إلى حالة الطوارىء الصحية وإلى قانون الوقاية من الكوارث الطبيعية الذي وقعه بوتفليقة في ديسمبر 2004، ليؤكد أن الصحفيين عليهم التقيد بالقانون، وإلا فإن قانون العقوبات الذي أسس له أحمد أويحيى وعدله زغماتي سيطبق بحذافره، والقانون يعاقب بالسجن والغرامات المالية.
وزارة الاتصال التي عرفت تعاقب وزراء مارسوا كل أنواع تبرير التسيير الإداري والأمني للاعلام، يواصل عمار بلحيمر من خلال خرجته اليوم في التهج ذاته، بل وبشكل أشنع، لأن الإعلام في الجزائر ومنذ مارس الماضي لم يقم بنشر إلا ما تنشره الحكومة والناطق الرسمي باسم تبون حول الجائحة، وفي هذا المجال لم يقرأ ولم يشاهد ولم يسمع الجزائريون والجزائريات إلا ما كان يريد تبون وجراد أن يسمعونه أو يقراونه أو يشاهدوه، فلا تحقيق ولا روبورتاج داخل المستشفيات، ولا بورتريهات عن الضحايا ولا عن الاطباء، ولا تحقيقات جدية عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وما هو عدد الشركات التي أغلقت أو المرشحة إلى الإفلاس وغيرها من عشرات الآلاف من القضايا التي منع الصحفيون والصحفيات من تناولها بسبب سياسة تكميم الأفواه، عوض توزيع الكمامات لمواجهة الوباء.
استمرار تدمير ما تبقى من أجهزة الإعلام الجزائرية
خرجة عمار بلحيمر، اليوم، تبين أن خطاب “الجمهورية الجديدة” خطاب بلا معنى، وبأننا نعيش استمرارية في سياسة التسيير الإداري والأمني للاعلام، وهي سياسة ستزيد من تدمير مصداقية أجهزة الإعلام الجزائرية التي غرقت في الدعاية والتضليل، والتي تعتبر أحد أهم عوامل تهديد الأمن القومي، لأن مواجهة الوباء والكورونا وكل تهديد يمس كيان الأمة يتم في الشفافية، وبوجود منظومة إعلامية مهنية وقوية تكون لها مصداقية لدى الجمهور، وبنخب سياسية تحترم الأخلاقيات السياسية ولا تمارس الكذب والتضليل ولا تحتقر الشعب، ومنظومة إعلامية تبحث عن الأخبار وتنشرها دون رقيب ولا رقابة، لأن الشفافية هي القطيعة مع الضبابية ومع التسيير الإداري والأمني الذي أنتج فسادا شاملا تورطت كل رموز السلطة فيه والكثير منهم في السجون، والبعض الآخر يريد استمرارية سياسة التكتم والضبابية بممارسة التخويف والتخوين والتضليل، بأجهزة إعلامية يملكها المال الفاسد والاوليغارشيا من التسعينيات إلى اليوم.
رضوان بوجمعة
الجزائر في 11 جويلية 2020