أقرب من فرنسا أبعد عن تركيا
كتب بواسطة :نجيب بلحيمر / كاتب وصحفي
سألت جريدة “لوبينيون” الفرنسية عبد المجيد تبون بشكل مباشر: كيف تقيمون السلوك التركي في ليبيا، الموضوع الآخر في محادثتكم مع ماكرون؟ لم تتضمن الإجابة أي ذكر لتركيا بل فضل تبون أن يتحدث عن ليبيا والدعم الذي قدمته للثورة وعن العلاقات القبلية التي تربط شعبي البلدين، لكن الرد تضمن إشارة صريحة إلى الابتعاد مسافة عن الموقف التركي.
قال تبون: “ساعدتنا ليبيا إبان حرب التحرير باستقبالها المجاهدين على أراضيها. إنه من واجبنا أن نساعدها. هذا قد لا يعجب الدول التي تتحرك باسم مصالحها الاقتصادية. لعبة المكاسب الميدانية العسكرية ليست الحل” وفي تقديره فإن “كل الحلول التي تم اعتمادها منذ سنة 2011 فشلت، ويجب العمل وفق خارطة طريق جديدة تفضي إلى انتخابات خلال سنتين أو ثلاث تحت إشراف الأمم المتحدة وحكومة انتقالية نابعة من إجماع وطني”.
السؤال التالي كان عن ليبيا وركز على تركيا وروسيا مرة أخرى: “ألا تخشون أن يكون مستقبل ليبيا، مثل سوريا، محل تفاوض بين أنقرة وموسكو؟”، ولم يكن الرد مختلفا، لكنه بدا تفصيلا للرد على السؤال السابق، حيث قال تبون: “استعادة استقرار الدولة الجارة رهان مرتبط بأمننا القومي (…) الجيران الجزائريون، والتونسيون، والمصريون هم الأكثر قدرة على مساعدة ليبيا لتجد طريق السلم مجددا”.
ملاحظة قد تكون مهمة، الصحيفة الفرنسية وضعت الملف الليبي ضمن سياق العلاقة الجزائرية الفرنسية، والأسئلة تركزت بشكل واضح على الثنائية الفرنسية التركية في ليبيا وهي من أبرز المواجهات الإقليمية والدولية التي تؤجج الصراع هناك، ومن وجهة النظر هذه يتناول الفرنسيون الدور الجزائري باعتباره مؤثرا في ترجيح كفة أحد طرفي الثنائية.
من هنا يبدو الموقف الجزائري للمرة الأولى أكثر وضوحا، وهو يقترب من فرنسا أكثر من دعمه لتركيا، ويتضح ذلك من خلال التفاصيل التالية:
– هناك تصريح بأن المكاسب التي تتحقق على الأرض من خلال العمل العسكري لا يمكن أن تكون حلا وسمى هذا الخيار لعبة، والطرف الذي حقق المكاسب مؤخرا هو تركيا التي تدعم حكومة الوفاق، وأبعد من هذا يمثل هذا الموقف تلميحا إلى رفض التلويح التركي بالسيطرة على سرت والجفرة قبل الحديث عن أي حل سياسي.
– التذكير بدور دول الجوار الليبي وقد اقتصر التذكير على الدول الثلاث وهي الجزائر وتونس ومصر، وهو ما يعني تفهمها للمخاوف المصرية من جهة، ولا ننسى أن فرنسا تعتبر داعمة للدور المصري، وهي التي استضافت الرئيس التونسي مؤخرا للحديث عن ليبيا، وتوضيح الموقف الجزائري قد يغلق الدائرة على تركيا.
– ما قاله تبون عن خارطة طريق جديدة هو في النهاية تأكيد أن الشرعية التي تتحدث عنها تركيا، ممثلة في حكومة الوفاق، لا يجب أن تتحول إلى عقدة في وجه الحل، وفي تصريحاته حديث واضح على أن ليبيا بحاجة إلى حكومة انتقالية تحظى بالإجماع ما يعني أن هذا الشرط لا يتوفر في الحكومة الحالية.
في خلال كل الاتصالات التي جرت بين الطرفين الجزائري والفرنسي كان الملف الليبي على رأس المواضيع التي تم تناولها، والموقف المعبر عنه لصحيفة فرنسية اليوم قد يكون جزءا من خطة متكاملة لإعادة ترتيب العلاقة مع باريس، وهو لا ينفصل عن جملة من المطالب السياسية مثل تلك المتعلقة بالمسائل التاريخية، وإثارة مسألة تعويض المتضررين من التجارب النووية وتطهير المواقع (وهذا مكسب سياسي ذو رمزية مهمة ستسعى السلطة الجزائرية إلى تحقيقه في هذا الظرف) ودعوة فرنسا إلى لعب دور اقتصادي أكثر نشاطا في الجزائر (متنفس اقتصادي سيكون مهما في فترة أزمة مرشحة للتفاقم مستقبلا) مقابل صفقة على المستوى الإقليمي ستتضح تفاصيلها في ليبيا والساحل بالتحديد.
حشر الوجود العثماني في الجزائر ضمن قائمة الوجود الاستعماري في الجزائر يمثل سابقة في الخطاب الرسمي الجزائري تنقض جوهريا السردية التقليدية التي تعتبر الوجود العثماني في الجزائر كان نصرة للدين واستجابة لطلب من الجزائريين، فقد تحدث تبون عن استعمار باسم الخلافة. حديث قد يذكر أردوغان بما سمعه من تبون عن الاستعمار الفرنسي هنا وذهب يتحدث به أمام الملأ في تجمع لحزبه في تركيا.