صدق الشباب عندما قالوا “باسيتوا بنا”
ليس مبالغة ولا من باب التمني، القول أن العصابة مرعوبة حقا من الحراك، الذي ادخل الهلع في أعمق خلاياها وشتت أفكارها مثلما لم يسبق لها منذ أن اغتصبت السلطة واستباحت خيرات البلاد، إلى درجة أفقدها توازنها وجعلها لا تفكر سوى في كيفية القضاء عليه، بما يفسر هذه الحرب الهوجاء التي تشنها ضده.
الحراك أصاب العصابات في مقتل، كل العصابات، المتغلبة والمضحى بها، والسبب، لأنه أختار سلاحه، ولم يفرض عليه كالعادة، انتقى سلاحا لا تملك العصابات وسائل مناسبة وناجعة لمواجهته ولم تفلح في إقناعه باستبداله بأخرى، على رأس هذه الأسلحة الفتاكة للحراك:
- درجة الوعي المنتشر لدى الحركيين، واستخلاصهم دروس الماضي. في انتفاضة أكتوبر 88 ، حافظت العصابات على منظومة حكمهم، من خلال التضحية بكبش فداء (أمين عام جبهة التحرير، شريف مساعدية، بعد أن نسجت حوله صورة المسؤول عن كل الخراب، وباعته للشعب في صورة الشيطان، للتخلص منه وتحتفظ بحقيقة الحكم)، أما في حراك 22 فبراير2019، لم ينجحوا في تكرار الحيلة، لأن حتى التضحية في ابريل 2020 بالرئيس المحنط، بوتفليقة ودائرته المقربة من المخربين، لم توقف الحراك، ولم تنجح في مخادعة الشعب، الذي ظل يطالب بدولة مدنية، بدولة الحق والقانون، وبدولة لا مكان فيها للفاسدين المفسدين، ومن هنا جاء شعاره المدوي “تتنحاو قاع”؛
- في يناير 1992 نجحوا، من خلال قتل واعتقال واختطاف وتشريد مئات الآلاف من المواطنين، من تحويل الصراع السياسي إلى صراع مسلح، وعسكرة البلاد، وبيع محليا ودوليا، حرب قذرة شنها لقطاء المسرحين من الجيش الفرنسي ضد شعب أعزل، إلى “معركة من أجل إنقاذ الجمهورية”، بينما في حراك22 فبراير، فاجأهم الشعب، بعد أن نزع عنهم ورقة التوت، وأبطل مفعول سلاحهم المفضل، العنف، ورفع الشعب منذ الوهلة الأولى، صوته عاليا صارخا ثابتا، سلمية، سلمية، محذرا أن كل من يستعمل العنف في الحراك أو يهدد به، ليس منا، ولا يمكن أن يكون إلا من النظام، أو بتحريض منه؛
- منذ صائفة 62 وطيلة عقود من حكم العصابات، استعملوا سلاح التشتيت والتفتيت والاستعداء بين فئات المجتمع، لمنع أي توحيد للكلمة، تارة مستخدمين سلاح الجهوية، تارة أخرى الإيديولوجية، وتارة ثالثة نزعة العصبيات والعرقية والطبقية؛ أما في حراك 22 فبراير 2019، قرأ الشعب الرسالة من عنوانها، وباغتهم، بشعره الجامع المناع، خاوة خاوة، لا فرق بين عربي ولا امازيغي ولا شاوي ولا مزابي ولا ترقي، كلنا جزائريون، نعمل من أجل دولة القانون، دولة مدنية، والجزائر تتسع للجميع إلا لمن يريد تفريقها وتمزيقها والاستحواذ عليها، بهذه الوحدة، أبطل كل أفاعيل سحرة المعبد.
واليوم يتضح لماذا يسعون، بعد فشلهم في كل هذه المحاولات، ضرب “الجزء” عن طريق شحن آليات التضليل ونشر الكذب، للقضاء على “الكل”، إن ما يقومون به من خلال استهداف أطراف بعينها، الغرض منه، ليس هذه الأطراف فحسب، بل الغرض منه القضاء على الحراك برمته، وإدراكا منهم باستحالة المهمة جملة واحدة، يسيرون خطوة خطوة، يستفردون بالجزء، لنشر الشك والريب وتفتيت نسيج الوحدة والسلمية التي أرعبتهم، للوصول إلى القضاء على الكل، وما يقومون به، يشبه صورة الشجرة التي تغطي الغابة، ولو وقعنا في فخهم، وسمحنا لهم لا قدر الله باستفرادهم بفئة من الحراك، سينالون من الكل، فئة فئة، حتى ينطبق علينا “أكلت يوم أكل الثور…” وكل فئة تملأ النقط بما تشاء. عدوهم هو الحراك ككل، الذي أسقطهم من صهوة جيادهم، بفضل سلميته، بفضل وحدة صفوفه، بفضل ثباته، وبتشبث الحراك بهذا السلاح لن يستطيعوا وقفه، لأن ما يجمع بين مكونات الحراك، هو الجزائر التي يستعد جميع الحركيين التضحية من أجلها، في حين ما يجمع المتربصين لهم، و نهب الجزائر والسعي إلى خرابها، وشتان بين من يدفع من أجل قضية ومن يأخذ مستنزفا ثروات البلاد.
د. رشيد زياني شريف