حديث المؤامرة
في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك نقرأ بيانا جاء فيه: “أمر اليوم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الوزير الأول بفتح تحقيق فورا في أسباب الحوادث التي وقعت في الأيام الأخيرة، وكان لها الأثر السلبي على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.
ويشمل هذا التحقيق الفوري الكشف عن أسباب الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من الغابات، ونقص السيولة في بعض البنوك والمراكز البريدية، وتوقف محطة فوكة لتحلية مياه البحر، وانقطاع الماء والكهرباء عن أحياء في العاصمة ومدن كبرى أخرى يومي عيد الأضحى المبارك دون إشعار مسبق”.
قبل أسبوع ( يوم 26 جويلية) قال تبون في اجتماع مجلس الوزراء: “أياد اجرامية قامت باخراج جثث من المستشفيات وعرضها في الشارع وإفراغ خزانات الأكسجين”،وأضاف “الهدف من هذا التشكيك في قدرات السلطات في تسيير الأزمة الصحية وادخال اليأس في نفوس الأطباء وأفراد السلك الطبي”.
في المرة الأولى كان الرد على الفيديوهات التي تبين حالة الفوضى وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات بالقول بأن كل ما جرى تصويره مدبر، وفي المرة الثانية أيضا يجري تفسير انقطاع الماء والكهرباء ونقص السيولة في مراكز البريد وتزامن حرائق الغابات بالمؤامرة التي تدبرها من يصفهم الخطاب الرسمي دوما بـ “أطراف ما” دون أن يسميهم.
نقطة الارتكاز في نظرية المؤامرة هذه هي سعي “الأطراف” إلى تشويه صورة السلطة، أو الدولة، وإثبات فشلها، والتحقيقات الأمنية هي التي تكشف هذه المؤامرة. ثم تتشعب القراءات والتأويلات بحسب اجتهاد خبراء التبرير وحماستهم في التقرب من السلطة، والخلاصة أن كل شيء على ما يرام لولا التشويه الذي تمارسه “الأطراف”.
عندما نعرف أن البلاد تواجه أزمة حقيقية في إنتاج الطاقة، وهذا استنادا إلى الأرقام الرسمية، وتصريحات مسؤولي سونلغاز، فإن انقطاع الكهرباء في أيام الحر الشديد التي تشهد استهلاكا قياسيا يصبح نتيجة طبيعية لا تحتاج إلا إلى الاعتراف بوجود أزمة والعمل بجدية على صياغة حلول، وما يقال على الكهرباء يقال أيضا على انقطاع التزود بالماء مع العلم أن توقف محطة فوكة لتحلية مياه البحر لا يمكن أن يفسر انقطاع الماء في ميلة أو قسنطينة أو حتى في جيجل التي تعتبر المنطقة التي يسجل بها أكبر معدل لتساقط الأمطار في البلاد. الحل في هذه الحالة أيضا يمر أيضا عبر الاعتراف بالنقائص والسعي إلى وضع حلول.
أما نقص السيولة فيكفي الاطلاع على التفسيرات التي قدمها الخبراء لفهم ما جرى، وقد يكون من الأفضل اليوم مساءلة وزير البريد الذي أنكر وجود نقص في السيولة لنصل في النهاية إلى تكليف الوزير الأول بالتحقيق فورا.
حرائق الغابات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، التعامل معها يتم دائما بجدية، وفي كل الحالات لا يجب إسقاط فرضية الفعل الإجرامي في أي حريق. هذا يعني أن الحديث عن تحقيق على مستوى الرئاسة أو الوزارة الأولى يهدف لإحداث أثر إعلامي لأغراض سياسية خالصة.
هل من مصلحة البلاد في الظرف الحالي أن يركن الرسميون إلى نظرية المؤامرة؟ وهل يخدم اقتناع المواطنين بوجود مؤامرة الاستقرار؟ بالنسبة للسياسي الفاشل الذي لا يملك رؤية ولا يستطيع بلورة حلول تمثل نظرية المؤامرة ملاذا، فالذي يهمه هو التنصل من المسؤولية ودفع شبهة الفشل أما ثمن ذلك فلا يهم. هذا الخيار يعني ببساطة أن الذين يشغلون الوظائف السامية يرفضون أن يتحملوا مسؤولية المناصب التي يتولونها اليوم، وهذا يطرح مشكلة أخلاقية وسياسية كبيرة فضلا عن أنه ينذر بفشل كبير في التسيير سيزيد في تعقيد الوضع الذي سيكون أكثر صعوبة في الأشهر والسنوات المقبلة.
إقناع الجزائريين بأن كل ما يرونه من سوء تسيير هو فعل “أطراف” سيكرس الاعتقاد باستحالة القضاء على تلك “الأطراف” الخفية، بل إن نظرية المؤامرة توحي بقوة خارقة تلك “الأطراف” تصبح معها كل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية تبدو عاجزة وفاشلة، وليس في العالم سلطة تريد أن ترسم للبلد الذي تحكمه هذه الصورة المخيفة.
في جريدة الوطن قرأت مقالا عجيبا يتحدث عن استعادة الجزائر لدورها الدبلوماسي المحوري في المنطقة وخاصة في الأزمة الليبية، العجيب في المقال انه يربط كل هذه العودة بشخص واحد هو اللواء الذي يقود المديرية العامة للتوثيق والأمن الخارجي، وحسب الوطن فإن الجنرال بوزيت يملك شبكة واسعة في ليبيا والساحل وأنه بمجرد عودته إلى قيادة المخابرات الخارجية عاد للدبلوماسية بريقها.
لم أفهم إن كان هذا مديحا للجزائر ومخابراتها أم هو ذم لهما، فالذي أعرفه منذ سنوات أن الخطاب الرسمي يقول بأن الجزائر دولة محورية لا يمكن تجاوزها إقليميا، وأنها تملك علاقات متينة مع جميع الأطراف الليبية، وهذا الكلام يردده تبون منذ توليه المنصب دون كلل، ولم أسمع قبل اليوم أن دولة يمكن أن تبقى رهينة شخص واحد بغيابه يختفي دورها الإقليمي.
سؤال سيطرحه من يصل بالقراءة إلى هنا، ما علاقة مقال الوطن بحديث المؤامرة ؟ الجواب: مقال الوطن أيضا يشير إلى حملة تشن ضد الجنرال بوزيت من “أطراف” لا تسرها عودة الجزائر إلى لعب دور قوي في المنطقة، ويصر صاحب المقال، استنادا إلى رأي “مصدر”، على القول بأن “الأطراف” ليست خارجية فقط بل قد تكون من “هنا”، وهو ما يعني أن المؤامرة أكبر مما نتصور ويمكن أن تطال الجميع.
تفصيل لا يمكن أن يكون تافها: رأى كاتب مقال الوطن أنه من المهم وصف الجنرال بوزيت بـ “الذراع الأيمن للجنرال توفيق”.
كل عام وأنت آمنون مستقرون والجزائر بألف خير.
الصحفي نجيب بلحيمر