ما يحدث لكيان “الدولة” أو بتعبير أدق لـ”الأمن القومي” للبلد غير مسبوق، هذا الكم الهائل من التسريب والهروب لقيادات سابقة بالأسرار، وعملية التسليم التركية الأخيرة مثال على ذلك، تشير إلى حالة من التصدع والتهالك لكيان الدولة، والبلد أصبح مكشوفا لمتربصيه ومقايضيه ومبتزيه، وخزنة الأسرار ليست بعيدة عنهم، فالتسريب يقوض الدولة ولا يخدم أي توجه معارض وثوري أصيل، والسلطة المتغلبة تتحمل أوزار وعواقب هذا الانهيار والتداعي…
والنظم الشمولية تنسب الخلل والفساد والضرر والاضطراب إلى عوامل خارجية لأنها تعتقد وتجبر الناس على أن يعتقدوا أن كل شيء في حكوماتها رائع والشر يأتي من الآخر وبسببه، وحكم بلدنا، اليوم، فشل في دفع الشر عن نفسه، فأكثر ما يقوض الأمن القومي للبلد خرج من عباءته. ونحن على أنقاض دولة انقضت لأنها فشلت في القيام بوظائفها الأساسية في التنمية والمحافظة على الاستقلال الوطني، فدولتنا ضحية مختطفيها، فوجود هذه “السلطة”، سلطة التغلب والقهر والفشل، هو نقيض وجود “الدولة”..
والحراك الشعبي مجرد بداية لحركة عامة، وقد أحدث تغييرا نفسيا وذهنيا عاما في المجتمع، ومنع من حصول انهيار شامل للدولة، فكان أن أنقذ الدولة من السلطة، ولو إلى حين، وربما لم تشهد المجتمعات العربية في تاريخها الحديث أحداثاً متوالية مترابطة كتلك التي انطلقت من تونس وعمت شرقا وغربا، لكن حجم الانهيار الداخلي للحكم، عندنا، مريع، وما عاد بإمكانهم السيطرة على وضعهم وصراعاتهم وأسرارهم، وحجم الانكشاف مُذهل وغير مسبوق..
صحيفة الأمة الالكترونية