القطار انطلق ولا مكان للنظام فيه
القطار انطلق ولن يتوقف.. تتردد هذه العبارة كثيرا على لسان عبد المجيد تبون، اليوم أيضا رددها في لقائه مع الولاة. لاشك في أن القطار انطلق بالفعل يوم 22 فيفري، أما اسم القطار فهو التغيير والمتخلف الكبير عن ركوبه هو هذا النظام المهترئ الذي يحاول عبثا وقف حركة التاريخ التي يشبهها تبون بالقطار.
بالأمس فقط اجتمعت بقايا النظام من الوجوه الداعمة لبوتفليقة، ومن يسمون زورا بالمجتمع المدني في الأوراسي لإطلاق مبادرة يثني عليها تبون. لا شيء تغير، نفس الممارسات التي درج عليها النظام منذ نحو ثلاثة عقود، فبركة صورة تعددية وهمية، وجلسات حوار شكلي تنقل السلطة من أزمة إلى أخرى، وتعمق الشرخ بينها وبين المجتمع.
في الأوراسي أعطى النظام دليلا آخر على عجزه عن ركوب القطار، عجز يعود إلى حالة متقدمة من التهالك لا تسمح له بمسايرة سرعة التحولات التي يشهدها المجتمع والعالم ككل، فالأساليب ما زالت نفسها، وبدل التوقف لحظة لمراجعة الخيارات وتقييم نتائج المسار الانتحاري الذي سمي المسار الدستوري يصر النظام على أن يأخذ الوجهة الخطأ ويركب القطار الخطأ الذي يقوده إلى حتفه.
قد تبون بعض الإشارات لكنه لم يحسن قراءتها، ولعل من أهم تلك الإشارات ما توجه به إلى الولاة الذين يتقاعسون عن اتخاذ ما يجب من قرارات خوفا من أن ينتهي بهم الأمر إلى سجن الحراش. تردد الولاة، والمسؤولين على مختلف المستويات، يشير إلى فقدان أعوان الدولة وإطاراتها، ثقتهم في هذا النظام الذي لم يعد قادرا على حمايتهم، وهو دليل أيضا على أن الخلط بين السلطة والدولة بلغ مداه حتى أن خدمة الدولة قد تتحول في أي لحظة إلى تهمة تجعل المتلبس بها من “العصابة” التي اتسعت دلالتها لتشمل كل من يجد نفسه عالقا في صراع العصب.
لم يعد يثق في السلطة إلا المغامرون الذين تحركهم الأطماع أو الطموحات أو أولئك الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهذه علامة حالة متقدمة من الانهيار، وإذا أضيفت لها التهم الثقيلة بالخيانة العظمى التي تطال اليوم مسؤولين كبار من رموز النظام فإن هذا يعني أن القطار يسير بسرعة أصابت النظام بالدوار وأخرجت تناقضاته إلى العلن وهي تسرع عملية تحلله.
يقدم تبون إشارات الضعف والترهل من خلال الأسئلة الكثيرة التي يطرحها، ويريد من خلالها أن يحيل على نظرية المؤامرة، لكنه في الحقيقة يثبت عجزه وعجز السلطة التي يمثلها عن تقديم الحلول لمشاكل يعرفها الجزائريون جيدا. لقد نسي بأنه في موقع تقديم الإجابات وليس في موضع طرح الأسئلة، وبذلك يعلن ضمنيا تخليه عن المهمة التي أسندت له أو عدم قدرته على إنجازها، وهذا دليل آخر عن عمق الأزمة التي تزداد تعقيدا لتؤكد خطأ خيار ما سمي “المسار الدستوري” الذي كان هدفه إجراء انتخابات 12 ديسمبر، وها هو تبون اليوم يعود إلى مهاجمة أنصار “المرحلة الانتقالية” وكأن الانتخابات لم تكن.
سلطة تحيل المواطن على “أطراف” غير معلومة، وتلمح إلى “مؤامرات” و “مخططات” دون كشفها أو تفكيكها هي سلطة فاشلة، وفي حال الأزمة التي نعيشها وتطوراتها المتوقعة، يمثل الفشل خطرا على الدولة والمجتمع. الفشل يتجاوز ما نراه في الميدان من عجز عن مواجهة المشاكل وابتكار الحلول، إلى العجز عن بناء خطاب مقنع ومتجانس.
القطار انطلق وهو ماض إلى وجهته التي ترسمها حركة التاريخ، وفي الأثناء يتآكل النظام بسرعة، وغدا سينهض الجزائريون من أجل منع هذه الآلة الصدئة من إعاقة حركة التاريخ.
نجيب بلحيمر