التحريض مثل السياسة، ليس جريمة، بل فرض لأنقاد البلاد من منظومة الإفساد

التحريض مثل السياسة، ليس جريمة، بل فرض لأنقاد البلاد من منظومة الإفساد

كلنا يتذكر قبل حراك 22 فبراير 2019، وطيلة احتجاجات المواطنين على مر سنوات عديدة، تنديدا بالظلم وسوء الظروف المعيشية والحقرة، والمطالبة بالحق في الشغل والسكن، أو للاعتراض على سياسات السلطة الإجرامية كاستغلال الغاز الصخري وتلويث المياه الجوفية بما يشكل خطرا قاتلا على أهل تلك المناطق، نتذكر أن أثناء تلك الاحتجاجات، كان يُتَهم أصحابها، فضلا عن تهمة التخريب والعمالة واليد الخارجية، وكل التهم التي ترمي إلى تكمم الأفواه وأصحابها وترهيبهم، كانوا يتهمون أيضا بتهمة خاصة “ممارسة السياسة”، أي كانت السلطة تغرس في شعور ووجدان الناس أن ممارسة السياسة جريمة في حد ذاتها ويعاقب عليها القانون، وتجعل المواطن يسلم في قرار نفسه، بأن هذه الممارسة جريمة، وكان يكفي أن يشار إلى أحد المحتجين بأنه يمارس السياسية ليكون مبرر إنزال أشد العقبات ضده، دون أن يسمح له بدحض تلك “التهمة” الغليظة، حتى جاء 22 فبراير ليباغت القوم ويفجعهم، وينسف كل ما زرعوه على مر السنين في إطار حروبهم النفسية، التي سعت إلى كسر شوكة المواطن ماديا ونفسيا، وجعله يسلم راضيا مستكينا بحرمانه من حقوقه المشروعة المكفولة بكل القوانين، فجاء حراك 22 فبراير ليفتك حقه في ممارسة السياسة، دون منّ من أحد.
واليوم، باستغلالهم جائحة الكورونا وما فرضته من ضرورة حجر صحي، يجددون الحيلة، هذه المرة، عن طريق تجريم “التحريض”، فيتهمون رشاد وكل من يواصل النضال من أجل دولة مدنية، وإقامة أسس دولة العدل والقانون، بأنهم محرضون، ومثل تهمة السياسة التي استخدموها عقودا طويلة، يسعون من جديد إلى إيهام الناس بأن التحريض شر كله، ومفسدة يجب معاقبة القائمين عليها. وتفكيكا لمغلطاتهم المتتالية، وجب شيء من التوضيح:
أولا، التحريض في حد ذاته ليس عيبا يستحى منه، ولا جريمة يعاقب عليها، بل يتوقف الأمر على “التحريض على ماذا”؟ ( لا نحكم على الزجاجة في حد ذاتها، بل على ما تحويه هذه الزجاجة، عسلا كان أو سما). هناك بالفعل تحريض منهي عنه، كالتسبب في الكراهية بين الناس وإشعال فتن النعرات والمعارك بين الناس أو تأليب فئة ضد فئة أخرى أو أي عمل من شأنه أن يلحق ضررا بالمجتمع أو الجماعات او الأفراد، لكن، بالمقابل، هناك تحريض مطالب به المرء بل وواجب على كلي ذي ضمير شريف، ويقوم به كل من يهمه شأن وعافية بني جلدتهم وبلدهم، ومثلما حرض أبارونا على محاربة الاستعمار الغاشم وكان المستعمر يتهمهم بالإرهاب و”الفلاقا”، يحرض شرفاء هذا الجيل على محاربة حكم العصابات المفسدة في الأرض، وأقطاب الجريمة، المتاجرين بالكوكايين من كبار الجنرالات، ورجال نهب المال، الذين يستخدمون كل الوسائل وموارد الدولة، لكي يستمر الوضع على حاله بما يسمح لهم بتوارث الجزائر عبر الأجيال، ومن ثم يشوّهون سمعة كل من يقف في طريقهم ويكشف ألاعبهم ويطالب بدولة تسير بكفاءة وشفافية، تعطي كل ذي حق حقه، فتلصق بهم التهم والأوصاف، ومنها التحريض، لإسكاتهم إما باعتقالهم أو المضايقة عليهم أو حتى قتلهم.

  • رشاد المتهمة بالتحريض، لم تخف يوما منذ نشأتها قي 2007 أنها فعلا ووعيا وتحملا لمسؤوليتها تحرض المواطنين على التغيير السلمي الجذري، من أجل إقامة دولة العدل والقانون ولم تنتظر 22 فبراير 2019 لتعلن عن منهجها التغييري الجذري السلمي، في مقاومتها للعصابات الحاكمة، ومن أجل استعادة الوطن والمواطن، كرامته وسيادته وعافيته؛
  • ولا تفعل رشاد لنصرة طرف عل ى آخر، فلا يهمها من يحكم من بين هذه العصابات، وليست معنية باستخلاف من يسقط في الفاسدين لتأخذ مكانه، بل كفاحها هو لتخليص البلاد من المجرمين، بكل أجنحتهم وأطيافهم ومشاربهم، أي اجتثاث المنظومة التي سمحت لهؤلاء اللصوص المجرمين والوصوليين النفعيين بالوجود، اقتلاع هذه المنظومة التي تسمح باستمرار حكم مَن أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس والانتحار؛
  • ورشاد لم تحرض فئة ضد فئة من الشعب، أو عصابة ضد أخرى، في إطار تصفية حسابات كما فعل “الساسة” الجدد بعد أبريل 2019 وتنحية صنمهم المبجل بوتفليقة، الذي كانوا يولونه الولاء التام بل ويقدسونه؛
  • ولم تحرض رشاد لكشف بعض المجرمين والتغطية على البعض الآخر عملا بقاعدة “ويل للمنهزم في معركة الضباع”، مثلما نرى اليوم صراع الأجنحة المتهالكة، يأكلون بعضهم بعضا بلا شرف ولا ذمة ولا حتى قليل من الاعتبار للعشرة و”لملح بينهم”، بعد أن اجتمعوا حول موائد أكل الشعب (ومنها جاء شعار الحراك “كليتوا البلاد يا سراقين”)، بل حرضت رشاد ضد الفساد كمنظومة حكم لأنها تدرك أن هذا الفساد أرضية خصبة جاهزة لتوليد أجيال متعاقبة من الفاسدين؛
  • حرضت رشاد عندما كان حجم الفساد لا يزال في حيز معين يمكن احتوائه، فدقت ناقوس الخطر لوقف النزيف وإصلاح الأوضاع في العمق حتى لا يتسع ويتحوّل إلى فساد تشيب منه الولدان مثلما هو اليوم؛
  • حرضت رشاد ضد الفساد والمفسدين، واليوم أتثبت الأيام باعتراف ساسة الحكم أنفسهم أن ما قالته رشاد وغيرها ليس افتراء وليس تهويلا ولا تضخيما بل حقيقة، أي أن الجزائر يحكمها مجرمون، ألم يعتقل كبار الجنرالات، وليس مجرد جنود في الجيش ولا عرفاء بسطاء أو مساعدين أو ملازمين أو نقباء، بل كبار القادة في مختلف الأجهزة، وفي أعلى هرم السلطة الفعلية، وليس واحدا ولا اثنان ولا ثلاثة، بل عدد غير محدد، اختلسوا أموال بالحاويات وهربوا عشرات الكيلوغرامات من الكوكايين، ومنهم متابع بجرائم إرهابية وخيانة واختلاس وتهريب ملاين الدولارات، ومنهم الهارب خارج الوطن، ورؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال من محيطهم، ورؤساء أجهزة الاستخبارات، إذن، رشاد لم تتهم أحدا باطلا ولم تفتر عليه، بل كل ما قالته موثق بل وقد أعلنت عنه السلطة نفسها وحاكمت البعض منهم وسجنته؛
  • حرضت رشاد على محاربة الفساد والإفساد في وقت كان المتحكمون “المعتقلون” الآن، ومن جاء بعدهم، يتهمونها بأنها عدوة للدولة، وعميلة للخارج، ومأجورة، ثم أصبحوا بقدرة قادر يصفون من حذرت منهم رشاد وغيرها، بأنهم “عصابة”، ألا يحق إذن للشعب قاطبة أن يحرض بقوة وسلمية لإتمام مهام الحراك وتحقيق مطالبه الجوهرية…دولة العدل القانون، وللعصابة أن تعتبر ذلك تحريضا أو ما شاءت، فمرحبا بكل ما يضايق العصابات ويقض مضجعها، لأنها تهمة يتشرف بها الشرفاء ودليل على صحة المسلك وقرب قطف الثمار.
    في الأخير، رشاد المحرضة، ذكرت جرائم المفسدين، وقد اعترف بها القوم أنفسهم، فأين دليل الجرائم الموجهة لرشاد؟
  • رشيد زياني شريف